الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

سماحة "جريدة الرياض" ..

يقول طيب الذكر اينشتاين : ( إن العقول التي تخلق المشكلة , لا يمكن أن تكون جزءاً من حلها ) ..قامت صحيفة الرياض بعرض فتوى لأبن باز , يجيز فيها ( عمل المرأة ) عند الضرورة , وكأن الجريدة في ذلك تتحدث عن رجل نذر عمره للإنسان , ولحقوق المرأة , وللاهتمام بظروف المواطن , أو لرجل مجدد ومتجاوز لعقلية التراث , ومنطق ( الفتنة ) و ( العورة ) , وكأنها تتحدث عن الإمام محمد عبده , أو الإمام الطاهر بن عاشور , من أعلام التجديد الديني ..أن جريدة "الرياض" التي تستند إلى رأي لأبن باز _ مع أن أبن باز نفسه له أراء أكثر , تعارض عمل المرأة , و ( تقطع ) بحرمة ( الإختلاط) _ هي تعود بنا إلى نقطة الصفر ..فبدلاً من أن يعلم المواطن , وصناع القرار أن مشكلتنا ليست مع "رأي فقهي" يوجد من يعارضه داخل المؤسسة الدينية , وإنما مشكلتنا مع عقلية "المؤسسة" نفسها , وعدم قدرتها على تجاوز ذاتها .. تأتي "الرياض" لتحاول أن تقوم بإنعاش رئوي لهذه المدرسة "الدينية" التي لا تمت إلى الواقع بصلة ..فحينما نعلم أن فتاوى الهيئة , لا يعتد بها , حتى بالنسبة للدولة , وحتى بالنسبة للمؤسسات , والمراكز التجارية التي تعمل بها المرأة , فلماذا تؤخذ هذه الفتوى بالاعتبار ؟! لماذا المحلات التجارية , لا تجد حرجا في بيع الدخان , والرسيفرات , والمجلات , وهي من ( المحرمات ) بالنسبة للهيئة , بينما حينما يتعلق الأمر بتوظيف "المرأة" تؤخذ هذه الفتوى بالاعتبار ؟! مع أن هذا لم يحدث _ ولكن على أفتراض أنها فعلت _ .. أن الهيئة التي تقرر بالإجماع أن ( الاختلاط) محرم , هي تقرر ( فسق الدولة ) .لأن ارتكاب ما هو مجمع على تحريمه "فسق" ..فهل ستأخذ الدولة بهذا الفتوى التي تهدف إلى إسقاط "عدالتها" , ووصفها "بالفسق" ؟! ..ولهذا كان لا بد من تجاوز المدرسة "الدينية" تبعا لهذا الاعتبار المهم جداً ..وكان المواطن المثقف مستبشرا بقصر الفتوى على الهيئة , لعلمه أن الهيئة , لن تكون متماهية ومتحركة مع "الواقع" , وهذا سيفضي إلى تحجيم , وبعد خطابها عن الواقع , وهذه خطوة مهمة جداً في تحييد الخطاب الديني في المجتمع , وقراراته التنموية , فمنذ توحيد المملكة , لم يساهم "الديني" في أي عمل حداثوي , أو تنموي , بل كان ممن يرمي العصي في دواليب التنمية ..أن الشعب يسمح لبناته بالاختلاط في البنوك , والمستشفيات , والشركات الكبرى , والجامعات "كاوست" , وكذلك في برامج الأبتعاث , دون حاجة الشعب لتبرير ديني لأي فرد من أفراد المؤسسة الدينية , فمع إبقاءهم على حكم "حرمة الاختلاط" إلا أن الشعب وحكومته , يسيرون في هذا الطريق , دون إلتفات إلى تلك الفتاوى , المغرقة في "الفتنة" و "الماضوية" ...ما الهدف من محاولة تلميع آراء هذه المدرسة ؟! دون حاجة الشعب إلى ذلك ؟! إلا محاولة تطبيع الخطاب الديني في المجتمع , مع ما تقدم أنه خطاب يهدف إلى تفسيق الدولة , ووصف القضايا الخلافية بأنها قضايا قطعية , مما يستلزم ارتكابها "الفسق" أو التكفير ..ثم أن الحاجة تبرر حتى المحرمات , وبالتالي الفتوى ليس فيها أي تقدم ..بل أن الفقهاء يقولون : ان ما يحرم وسيلة يباح عند الحاجة , وما يحرم لذاته يباح عند الضرورة ..وتحريم الاختلاط عندهم هو تحريم للوسيلة , وبالتالي مجرد الحاجة تبيحه لا الضرورة ..والحاجة أقل من الضرورة ..وتقديرها يعود لذات الشخص نفسه ..فليس بالضرورة أن تكون من تريد العمل فقيرة معدمة , وإنما مجرد أن تريد أن تجد نفسها في العمل , ويكون لها مصدر دخل مستقل , هو مما يبيح ذلك ..أنني ريد أن اؤكد ان الدولة والشعب هم أكثر تقدما من عقلية "الهيئة الدينية" , وأن محاولة عقلنة بعض "الآراء" للهيئة , سيعيدنا إلى المربع بالأول , وسنكون ملزمين بما تقوله الهيئة , وقد علم القراء أن ما يلزمنا قبوله حينما نأخذ بأقوالها , هو الطعن بالمجتمع وبحكومته ..أن ما يجب تسليط الضوء عليه , هو في بيان عدم إلزامية هذه الفتاوى , وعدم قدرتها على التماهي مع الواقع ..وإذا كانت الجريدة تريد الأخذ بفتاوى أبن باز , فلماذا لا تأخذ بفتواه في تحريم "الإختلاط" , أو فتواه الطامة التي يرى فيها أننا متى ما صارت لنا قوة عسكرية , فيجب أن نقوم بحرب "شعواء" على العالم أجمع ..!ذلك أن العقول التي تخلق المشكلة لا يمكن أن تكون جزاً من حلها ..



ملحوظة : بعض رجال الدين يقول بدلا من أن تعمل المرأة كاشيرة "يجب" على الدولة أن توفر فرص عمل ..والسؤال : حتى يحدث هذا "ال يجب" ماذا تفعل المرأة ؟! تشحذ حتى يحدث الله بعد ذلك أمرا ؟!

السبت، 6 نوفمبر 2010

قتاة المجد و "التغريب" ...!

جاء في الحديث الصحيح : ( الدين النصيحة ) , وفي الحديث : ( فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمن ويسمى كافر , و يمسي مؤمن ويصبح كافر , يبيع دينه بعرض من الدنيا ) , والتغربيون من بني لبرال وعلمان لن تقر لهم عين ألا بتغيير وتغريب المجتمع , وهز مسلماته , ونشر الفتن والشهوات , ومحاربة السنة وكم كان أسفي أن تنزلق قناة "المجد" في هذا المستنقع , فقد رأيت وياليتني ما رأيت أمر عجيب _ والعجائب جمة _ , فقد قاموا بوضع فلم الكرتون "توم وجيري" , وكانوا يظنون أنهم بذلك يحسنون صنعا : ( قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين الذين ضل سعيهم ف...ي الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) ., فقد قاموا بتجميل الفلم بنزع "الموسيقاء" ظنا منهم أن هذا سيبيح مشاهدته , ولعمري لو كان رمح واحد لتقيته , ولكنه رمح وثاني وثالث ..ولنا مع الفويسق جيري , والقط الفاضل توم وقفات ..
أولا : أن الموسيقاء لم تزال كلها , فقد كان طرق الباب بهذا الشكل " طق , طق , طق" وهذا أيقاع موسيقي ..
ثانياً: أن جيري فويسقه , وأمر النبي بقتل الفار , ولشيخنا المنجد فتوى في ذلك ..
ثالثاً: أن الفاضل القط توم , هو ممن جاء فيهم الحديث الصحيح : ( أنهم من الطوافين عليكم بالليل ) , وقد كان الصاحبي الفاضل ابو هريرة يرعى هراً , ولهذا كني به ..
رابعاً: أن جيري يقدم في الفلم كأنه أذكى من توم , وتوم غبي , ومتطرف , ويمارس "الضرب" و الأرهاب على جيري ..وفي هذا نكتة خفية , ودس للسم في الدسم ..فهم يريدون أن يقولوا أن الهر أرهابي ..وهذا طعن في الصحابة ..كيف ؟
مقدمة أولى : أبو هريرة يحب الهر ..
مقدمة ثانية : الهر يحب الأرهاب ..
النتيجة : أبو هريرة يحب الأرهاب ..! فهل هذا ما يجب أن نعلمه لأبناءنا وقد صح عن حبيبنا قوله: ( من مات وهو غاش لرعيته , فقد حرم الله عليه الجنة ) ؟!

خامساً: أن جعل الفويسق جيري مظلوم وذكي , والفاضل توم ظالم وغبي , هو تشويه للولاء والبراء , الذي يجب أن يحمله المسلم , وتغليط للحقائق , وهذا منهج أهل البدع في كل مكان وزمان , ألا أهل السنة كما قال وكيع بن الجراح , وقال الذهبي : الإنصاف عزيز .

سادساً: أن عدم الوقوف امام هذه البدع بجدية , ستكون نتيجتها وبال علينا , وغدا لا تستغربوا أن تأتي قناة المجد بالمتبرجة قليلة الأدب "هايدي" , والتي تذهب مع بيتر إلى الجبال : ( وما اجتمع رجل وامرأة ألا كان الشيطان ثلاثهما ) , وإن قال قائل أن "هايدي" لا يتجاوز عمرها ال 8 سنوات , قلنا : أن من في سنها يجوز الزواج بها , وكم من الفتيات في سنها في بيت ازواجهن ..ولكنها شنشنة نعرفها من أخزم !

وسأرفق رابط قناة المجد , وأرجوا وقت طرق الباب , أغلاق الصوت حتى لا تسمعوا للموسيقاء ..

http://www.youtube.com/watch?v=jQZDAbdDiX4&feature=share

السبت، 21 أغسطس 2010

التفكير العلمي , والخرافي ...!



في مقالتها في "الوطن" العدد 3033 بتاريخ 18 يناير 2009 قامت الكاتبة مها الحجيلان بمناقشة موضوع "الطب والدين"، وتأكيد الارتباط بين السبب والنتيجة، والفعل ورد الفعل، وهذه من سمات المنهج المنطقي والديني على السواء، بحيث إنه لا يفصل السبب عن مسببه، ومحاولة البحث عن تفسير مثيولوجي، غير منطقي لذلك، فالله سبحانه وتعالى حينما سأله إبراهيم "كيف" _ لا "هل" _ يحيي الموتى، أمره الله أن يذبح الطير مع قدرة الله سبحانه على أن يفعل ذلك، ولا سيما أنه في موقف بيان المعجزة، وكذلك أمر الله موسى أن يضرب بعصاه البحر، وأمر مريم أن تهز بجذع النخلة، مع أن معجزة فلق البحر، وأن تلد امرأة بلا زوج، لا تقارن بضرب البحر بالعصا، وهز جذع النخلة، وعدم تأثير هذين الفعلين على حدوث المعجزة، وإنما يبين الله وجوب الأخذ بالأسباب، حتى إن كان المخاطب مؤيداًًً بالمعجزة من الله، فكيف بمن هم دونه؟ وفي معركة أحد، حينما أخل المسلمون بشرط من شروط النصر هزموا، ولم ينفعهم وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، ولا نبل وسمو هدفهم، لأن الله أمر بأخذ الأسباب: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة".
وهكذا خلق الله الكون على سنن دقيقة, ونواميس صارمة لا تنخرم تبعاً لأماني الكسالى والعاجزين، فالله أودع الأسباب والسنن في هذا العالم دلالة على حكمته وإتقانه وابتلاء للناس في أن يبحثوا عن هذه السنن ويوظفوها في عمارة الأرض التي استخلفهم الله فيها، والسمو بالإنسان الذي كرمه الله، لا أن يبقى الإنسان حبيس الدجل والشعوذة والخرافة، منتظراً من السماء أن تمطر عليه ذهباً وفضة.
والقرآن الكريم لا يستفيد منه من وقف على رسمه دون معناه، فالهداية القرآنية هي بمضامين الآيات، لا في إيقاع حروفها، ورسمها، ومن يقرأ مضامين الآيات، يجد أنها تأمر بالأخذ بالأسباب، بل وتحيل الإنسان إلى النظر في اتساق الأسباب وانتظام العالم كدلالة على التوحيد، ووجود الخالق، وبذلك يتبين، أن المعالجة بالقرآن هي معالجة بمضمونه وهو الأخذ بالسبب، وعلى قارئه أن يتخذ سبب الشفاء الذي وجهه القرآن إليه، وهو الذهاب إلى من يعالجه، الذي قدر الله أن يكون على علم بالمرض وعلاجه.
بيد أن مشكلة البعض أنهم يظنون أن للفظ دلالة غير المعنى، فمثلاً يقال فلان معه "المقطوع"، وحينما تسأله مستفسراً تقصد السرطان؟ يقول أعوذ بالله لا تقل اسمه! مع العلم أن دلالة المعنى واحدة "للمقطوع" والسرطان! وهذه من سمات العقل البدائي، الذي يتمحور حول ظاهر الرسم وإيقاع المفردة، ويتصور أن اللفظ مغاير لدلالة معناه، لا نافذ وفاهم لمضمونه ومبادئه.
ومن أمثلة التفكير الخرافي ما ذكره أحد المشاركين في الندوة _التي ذكرتها الأخت مها في مقالها_ في ندوة أخرى له، فقد ذكر أن ثمة طبيبا وفقه الله، وأصبح ناجحاً في مجال عمله، والسبب هو أنه حينما أراد الدراسة في الخارج، وفي أحد المستشفيات الأمريكية مدت امرأة يدها لتصافحه، فرفض مصافحتها امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم _كما يزعم هذا الشيخ_ فلم يُقبل في البرنامج الطبي الأمريكي، وعاد للسعودية وأصبح طبيباً ناجحاً، لا لأنه اتخذ أسباب النجاح، من تفوق واجتهاد وإنما لأنه امتثل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، بيد أن المفاجأة تظهر، إذا علمنا أن الحديث الذي استدل به الطبيب وشيخه على تحريم المصافحة لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بلفظ "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" وفي سنده شداد بن سعيد وهو ضعيف، وخالفه من هو أوثق منه بشير بن عقبة ورواه موقوفاً على معقل بن يسار، فالحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم على فرض صحته فـ"المس" في الحديث لا يعني المصافحة، بل يعني الجماع، قال تعالى "قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ"، وقال جل شأنه "وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن"، وقوله جل شأنه "أو لامستم النساء" وغيره كثير، بل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم غير ذلك، روى البخاري في كتاب الأدب باب الكبر عن أنس بن مالك قال "كانت الأمة من إماء أهل المدينة، لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت"، وعارض البعض هذا الحديث بحديث عائشة رضي الله عنها (ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط إلا امرأة يملكها)، وأمام هذا التعارض يقدم المثبت (مصافحة النبي) على المنفي (عدم مصافحته) كما هو متقرر في علم الأصول، لأنها أخبار، لا أوامر بحيث يقدم الحاظِر على المبيح!
وبعد ذلك يتبين، أن الطبيب ترك فعلاً مباحاً، ومن يترك المباح لا يُثَبْ على تركه، بل يمكن أن يقال إنه تعبد الله فيما لم يصح فيه دليل، والأصل في العبادات التحريم إلا بدليل صحيح صريح، وقد تبين عدم صحة الحديث _ موضع الشاهد من كلام الشيخ _ وعدم صراحته، وبذلك يكون التفسير المنطقي هو التفسير الشرعي لنجاح الطبيب وهو أنه أخذ بأسباب النجاح، ومن أخذ بها وفقه الله سواء صافح أم لم يصافح!
بل إن الأمم الكافرة تقدمت حينما أخذت بالأسباب، وغيرها أمم بقيت متخلفة لعدم أخذها بالأسباب، بغض النظر عن دينها!

الأربعاء، 9 يونيو 2010

نقد ( الإسلام السياسي) ..

هذا نقد لورقة الزميل الفاضل عبدالله الضويان في جماعة فكر , حول ( الإسلام السياسي) ...


وهذه ورقة الزميل

قراءة لأثر الإسلام السياسي على المجتمعات العربية, وتطبيق على المجتمع السعودي.
عبد الله الضويان

أدى التدهور الذي أصاب الأمة الإسلامية في بدايات القرن الماضي ابتداءً من المواجهات العسكرية مع القوى الأوربية الصاعدة ثم تراجع الدولة العثمانية حتى انهيارها ووقوع غالبية الدول الإسلامية تحت الاستعمار, إلى تسرب الشعور بالضعف والتخلف وبرز السؤال الذي بدا ملحاً وواضحاً في تلك المرحلة وهو السؤال عن سبب هذا التخلف وسبيل الخلاص.
"الإسلام هو الحل" إجابة بدأت تتبلور حتى ظهرت حركات ما يسمى بالإسلام السياسي وأخذت على عاتقها تحقيق هذه النظرة والدعوة إليها, ومن خلال هذه الورقة سنحاول قراءة شيء من أثر هذه الحركات على المجتمعات العربية على الصعيد الفكري والسياسي, ونحاول التنقيب عن جذورها الفكرية في إطار المجتمع العربي, ومدى ارتباطها بالإسلام الذي تنتسب إليه, ثم نسلط الضوء أخيراً على مجتمعنا السعودي ومدى تأثره بهذه الموجات وتفاعله معها.

في التاريخ الحديث ظهرت حركات إصلاحية أبرزها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1791-1703) في الجزيرة العربية، والحركة السنوسية (1878-1859) شمال إفريقيا والحركة المهدوية (1898-1881) في السودان، وكان أبرز ما يجمعها هو الحس الديني البحت بعيداً عن الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية.

وفي حقبة المواجهة مع الحداثة كان الاستعمار تجربة حديثة غيرت وعي الأمة بنوعية التحديات التي تواجهها فظهرت حركات إصلاحية يغلب على خطابها الإصلاح الدنيوي ويتركز مشروعها في تشخيص المفاهيم الدينية السائدة والنهوض بالأمة من محنتها فظهرت طروحات من نوع: "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟"، ولعل من أبرز رواد تلك المرحلة جمال الدين الأفغاني.

وامتداداً لهذه المرحلة نشأت حركة الإخوان المسلمين (1928), والجماعة الإسلامية في الهند (1941), وغيرها من الحركات التي يمكن أن يطلق عليها جماعات إسلامية أو حركات الإسلام السياسي.

إن أي حديث عن حركات الإسلام السياسي لابد أن ينطلق من مسلمات تشمل قبول الوصف الذاتي لهذه الحركات بأنها إسلامية, ومن ثم رسم الحدود بينها وبين غيرها من الجماعات المسلمة.
يعرّف الدكتور عبدالوهاب الأفندي هذه الحركات بأنها : تلك الحركات التي تؤمن بشمولية الإسلام لكل نواحي الحياة وتتصدى لقيادة ما تراه جهداً لازماً لتأكيد هذه الشمولية في وجه تراخي المجتمع وتقصير القيادات والمؤثرات السلبية ومكايد الأعداء؛ وهي بهذا تدّعي لنفسها القيادة الأخلاقية للمجتمع.

من نافل القول أن الإسلام واحد، حيث لا يجوز الحديث عن إسلامات متعددة، غير أن استقلاله وتفرده لا ينفي تعدد أفهام المتلقين ولا يلغي حقهم في الاجتهاد في حدود النصوص ذات الدلالة غير القطعية, ومن هذا المنطلق تفرع الفقه إلى مذاهب والجماعة المسلمة إلى تيارات و فرق. إن هذا الغياب للوحدة الفكرية لهو دليل واضح على أننا لا نتعامل مع النصوص بل مع آراء متلقيها.
إننا حينما نجرد هذه الحركات من صفة الناطق الرسمي باسم الدين لا نلغي وصف انتسابها لهذا الدين وإن اختلفت الفهوم وتضاربت الآراء.

الإسلام والسياسة:

إذا تأملنا العقيدة الإسلامية سنجد أن من أبرز سماتها القابلية للبعث والتجديد والإحياء؛ إذ الإسلام نفسه بعثٌ للملة الحنيفية ومصدق لما بين يديه، وفي نصوص القرآن والسنة تأكيد على مفاهيم من شأنها الإبقاء على صفائه وحمايته من الانحراف والاندثار، كالتركيز على العلم والتعلم والذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد والتوبة ومراجعة النفس وغيرها من المفاهيم التي ضمنت له الحياة في كل الظروف. وهذه الطبيعة الحراكية جعلت له ارتباطاً بالسياسة بدا واضحاً في تاريخه, وهذا يقودنا إلى سؤال مهم حول ماهية هذه العلاقة، هل كانت علاقة موضوعية فرضتها شروط مرحلة تاريخية ما، والشروط التاريخية من شأنها التغير مما ينفي عن هذه العلاقة صف الثبات؟, أم أن العلاقة بينهما علاقة منطقية مفهومية بمعنى أن سياسة أحوال الناس جزء من جوهر الإسلام لا يتأثر بالأحوال والظروف؟
إن تصورنا لهذه العلاقة على نحو سليم يوفر علينا الكثير من العناء في دراسة أثر الإسلام السياسي وسرعة نفاذه إلى وعي الجماهير في العالم العربي.

يذكر الدكتور عبد الوهاب الأفندي في تعليقه على كلام هوغ دييديه في كتابه "الإسلام والمقدس" أن هناك إشكالية جوهرية في كل تناول للشأن الديني يدّعي صفة العلمية؛ وذلك هو افتراض وجود ثنائية مطلقة بين الدنيوي والمقدس ورفض المقولة الشائعة عن تلازم الدين والدنيا في الإسلام، حيث صرّح دييديه بأن لا ترابط بين الديني والدنيوي ولا المقدس و المدنس - حسب تعبيره - بالطريقة نفسها في أوربا و في العالم العربي والإسلامي، لكن هذا الترابط موجود بالضرورة، فإن مجرد تحديد الخير المنفصل أو الذي يحاط بدائرة لأنه قدسي
أو إلهي يعني رسماً للحدود وبالتالي تعيين ما هو خارجها, إن تأسيس المقدس يعني إرساء نظام دنيوي.
وهذا يشير إلى تناقض على مستوى المفاهيم - بحسب الأفندي - حيث يتحدث عن تقابل مطلق مزعوم ثم يعود ليؤكد ترابطاً لا فكاك منه بين الحيز المقدس وما يقع خارجه. ويضيف الأفندي :"على الرغم من تأكيد علماء الاجتماع أن موضوعهم ليس هو محتوى العقيدة بل أثرها الاجتماعي فإن واقع الأمر يشير إلى الخلفية العلمانية بل المناهضة للدين لعلم الاجتماع الحديث؛ فموقف علم الاجتماع من الدين هو موقف الاستغراب من كيفية ظهور الأوهام الدينية وسيادتها والبحث عن تفسير "إكلينيكي" لاستمرارية التمسك بالدين باعتباره ظاهرة مرضية. نشأ من كل هذا أن العلمنة قرين الحداثة وأنها طريق ذو اتجاه واحد فما أن تدخل المجتمعات عالم الحداثة حتى تتجه نحو العلمنة.
ومن هذا المنطلق فإن ظهور ما يسمى بالصحوة الإسلامية يعتبر معضلة يصعب حلها في ظل هذه الافتراضات؛ فهي تناقضها إلى درجة أن التحديث يبدو كما أنه أحدث أثراً عكسياً في المجتمعات الإسلامية التي تعزز التدين فيها مع دخول فضاء الحداثة مما حدا ببعض الباحثين إلى استنتاج أن الإسلام غير قابل للعلمنة.
إذن كل دراسة علمية لابد أن تطرح هذه الفرضيات ما لم تبرهن عليها وأن تترك مواقفها المسبقة جانباً إذا شاءت رصد هذه الظاهرة بموضوعية.

تفسير عودة الإسلام إلى المجال السياسي:

لا يمكن أن نصل إلى تفسير مقنع لعودة الإسلام إلى المجال السياسي وتبوئه مكانته العميقة إلا إذا نظرنا إلى مكونات هذا المجال بكثير من التحليل؛ فالبنية الثقافية الدينية للمجتمعات العربية من أهم خصائصها الاستمرارية, والقدرة على تجديد نفسها وتنشيط فاعليتها، فالعقل الإسلامي يقر بالتطور والتحول ويعتبره ناموساً في الوجود، ويؤكد على مشروعية الاجتهاد وضرورته خارج إطار النصوص القطعية الثابتة التي تمثل جوهراً مطلقاً ذا إلزامية لا محدودة ويفتح الباب على مصراعيه للاجتهاد في الفروع التي يندرج تحتها ما يتعلق بالمعاملات.
إن فشل التجارب القومية والاشتراكية في تحقيق ما كانت تعد به وعدم قدرتها على منافسة الخطاب الإسلامي تعزيز لهذه النجاحات التي يحققها على المستوى السياسي وبحسب عبد الإله بلقزيز فإن الإسلام السياسي في خطابه يحتكر الواجب في الممكن (الدين في السياسة), والممكن في الواجب (السياسة في الدين)؛ وذلك من خلال استعارته للطهرانية الدينية في السياسة فيبدو خطاباً أخلاقياً على مستوى من العفة, وهو يجسد الواقعية السياسية في صورتها
الجلية على صعيد الدين فيقنع جمهوره أن الإيمان ليس محض عقائد والتزامات مع الخالق فحسب بل فعل إنقاذ لأحكام الدين في الدنيا, يغذي ذلك ويقويه شمولية الفكرة الإسلامية مجال المصالح والمنافع ومجال العلاقة بين المخلوقين. ووجه هذا الاحتكار أن فرص المنافسة معه ضعيفة وباهتة بسبب انقطاع الصلة بين سائر الخطابات السياسية وبين مجال الرمز الديني.
ويضيف محللون مزية أخرى تتعلق ببساطة الخطاب الإسلامي حيث هو امتداد للمدرسة الحنبلية التي جسدتها أفكار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم واستعادتها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب والتي من أهم سمات خطابها أنه بدوي تبسيطي يتغلغل في الوعي الشعبي بسرعة وأنه استمد بعده الفكري من خلال تفاعل البيئات الحضرية معه (مصر على سبيل المثال).

مما سبق, نرى أن المجال السياسي يتسع أمام حركات الإسلام السياسي مما يقربها من الاختبار الأهم وهو القدرة على المقاربة بين الايدولوجيا والسياسة؛ إذ السياسة كما يقال: "محرقة الايدولوجيا" وذلك ما عبر عنه هيغل بوضوح حين وصف الفكرة بأنها تنحط حينما تكون واقعاً.

مبادئ جوهرية في خطاب الإسلام السياسي:

من خلال قراءة آراء بعض المهتمين بنقد الخطاب الإسلامي، يمكن استخلاص أهم المبادئ التي يسعى هذا الخطاب إلى إرسائها:
1- النص والعقل يسيران في اتجاه واحد، وإذا اشتبه التعارض كان النص أولاً ومن ذلك يتفرع المبدأ الثاني.
2- لا اجتهاد في مقابل النص ،إذ كيف يقوم الاجتهاد الظني مقام النص القطعي.
3- الإسلام دين و دولة, ولا يجوز الفصل بين جانبيه الاعتقادي والعملي المتعلق بسياسة أحوال الناس (تطبيق الشريعة الإسلامية).
4- لا تعارض بين قيام دولة إسلامية وبين الديمقراطية في بعض جوانبها.

سمات صنعت صورة هذا الخطاب ووجوده في المجتمع العربي:

لا يختلف الخطاب السياسي الإسلامي كثيراً في القواعد والمقدمات عن غيره من الخطابات السياسية في العالم العربي؛ فهو خطاب دعوي تبشيري تحريضي، غير أن هناك من السمات ما تبدو أكثر بروزاً لديه:
- هو خطاب تبسيطي يميل إلى التواصل السهل مع جمهوره ويساعده في ذلك رمزيته الدينية التي لا ينافسه فيها غيره، ووقوفه في الغالب موقف المعارضة وذلك يكسبه المصداقية المطلوبة.
- التفاعل مع الحداثة ايجابياً وإن بدا ظاهراً أنه يتعامل مع الحداثة بشيء من الحذر المشوب بالرفض.
-اختياره للصبغة الإسلامية كمنطق خطابي بدلاً من منطق الفعالية المجردة وذلك جعله نافذاً في مجتمع مصطبغ بالصبغة الدينية.

تساؤل: هل يمكن اعتبار حركات الإسلام السياسي من قبيل منظمات المجتمع المدني من حيث كونها تنبثق من إحساس مشترك لدى أعضائها بوجود أزمة أو تقصير في جانب معين؟

صحيح أن منظمات المجتمع المدني من جمعيات حقوق الإنسان أو الجمعيات الطوعية والخيرية قد تعترض على قيم الأغلبية وتضع المنظومة الأخلاقية لمجتمعها على طاولة النقد إلا أنها تتميز بمميزات مهمة بل جوهرية:

- أنها تحتكم لقيم المجتمع السائدة, وتركز على صيانة هذه القيم وتقويم الانحرافات عنها.
- أن دورها يصب في إطار تقوية الأسس التي تقوم عليها هذه المجتمعات وتعضيد بنيتها القيمية ونسيجها الاجتماعي.

وهنا نجد أن حركات الإسلام السياسي ليست على مسافة واحدة من مؤسسات المجتمع المدني؛ فهي تبتعد حين تتبنى هذه الحركات نهجاً ثورياً, وتقترب وربما تتلاشى حين تنحو منحى إصلاحياً يركّز على الإصلاح الفردي والاجتماعي والخدمات الاجتماعية في حدود السقف المتعارف عليه في بلدانها.

أثر حركات الإسلام السياسي على المجتمعات العربية

مما لا شك فيه أن حركات الإسلام السياسي أدت ولا زالت تؤدي دوراً أساسياً على المسرح السياسي في المنطقة العربية ، ولا أدل على ذلك من أن السياسة في ثلاثة العقود الأخيرة لم تستطع التعبير عن نفسها بمعزل عن الدين تماهياً كلياً أو توظيفاً جزئياً. فقد ساهمت هذه الحركات مساهمات استنهاضية, كما ناءت المجتمعات العربية بأحمال تصرفات غير راشدة منها.

- إن التركيز على ضرورة المحافظة على الأصالة في خطاب الإسلام السياسي يعتبر مساهمة مهمة في تجديد الوعي الذاتي لدى الأمة(الهوية).
- يمتلك الخطاب الإسلامي قدرة فائقة على التعبئة الجماهيرية وذلك ما ترك بصمة واضحة في المعارك الوطنية ومقاومة المحتلين.
- دخول الحركات الإسلامية في معترك الديمقراطية ، أضافت ثراءً للتجارب الديمقراطية ونضجاً سياسياً.
- بروز حركات الإسلام السياسي كحركات ممانعة أدى إلى تحرير الدين من قبضة الأنظمة السياسية التي أعادت صياغته ليكون أداة لتطويع الناس أمام الأمر الواقع وهذه مساهمة مهمة في إعادة صياغة العلاقة بين السياسة والدين.
- كانت ولازالت نشاطات حركات الإسلام السياسي تخلق حالة من عدم الاستقرار في مجتمعاتها بسبب دورها المؤثر وعجزها عن حسم الصراع لصالحها مع عجز خصومها عن تحييد دورها.
- شعور القوة والتمكن وربما الغطرسة لدى بعض قيادات هذه الحركة وخطابهم التصعيدي زاد من خوف النخب الحاكمة وزرع القناعة لديهم بأن استقرار نظمهم السياسية ومستقبلها مرهون بقدرتهم على مواجهة الظاهرة الإسلامية المتنامية.
- المناوشات بين هذه الحركات والقوى العالمية العظمى خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية ألقت بالكثير من الثقل والتبعات على مسيرة هذه الحركات واستقرار مجتمعاتها.
- فشل هذه الحركات في إقناع النخب النافذة في مجتمعاتها والرأي العام الدولي ببراءتها من الآليات والوسائل الدموية التي استخدمتها الحركات الجهادية وغموض خطابها في هذا الشأن أعطى انطباعاً بأنها تحاول الاستفادة شعبياً من حصيلة المواجهة بين النظم السياسية والتنظيمات الجهادية.
- طغيان هوس السلطة والتغيير من الأعلى لدى بعض قيادات الإسلام السياسي أشغلهم عن استغلال مواردهم وقدراتهم الإنسانية والفكرية الضخمة في بناء قاعدة شعبية صلبة تركز على القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تهم المواطن. إن هذا الصراع في سبيل السلطة أنضج بلا شك تجاربهم السياسية إلا انه زرع بذور عدم الاستقرار في مجتمعاتهم وفي المنطقة بشكل عام.
- أخيراً, العودة القوية لأدبيات التيار الجهادي التكفيري حيث تقييد الاجتهاد وإعادة التنظير للدولة الدينية (الثيوقراطية)؛ كان له دور كبير في انتشار العنف في المجتمعات العربية.

لقد كانت نشأة الحركات الإسلامية ردة فعل على أزمة كانت تريد الخروج منها وأحدثت أزمة أخرى بوجودها وعجزها عن تحقيق الحسم فأثمر ذلك حالة من عدم الاستقرار في مجتمعاتها، لم تكن تلك أزمتها لوحدها بل هي أزمة عامة ولكنها شكلت محور الأزمة بسبب موقعها المرموق ودورها المؤثر.
إن من واجب الحركات الإسلامية التعريف عن نفسها تعريفاً صحيحاً يوضح حدود علاقتها بالإسلام ، تلك العلاقة المصنوعة لخدمة السياسة حتى لا يتوهم التماهي ويتم تحميل الإسلام كعقيدة أوزار أفعال غير راشدة لا يستبعد أن تصدر في غمرة الانغماس في معارك السياسة وحتى يبقى معنى الإسلام كعقيدة جامعة بدلاً من تحريفه إلى إيديولوجيا تعمّق الفرقة والشقاق.

في مجتمعنا السعودي,

لم تكن هذه الأزمة حاضرة في ذهنية الخطاب الإسلامي مع دخول المملكة في فضاء التنمية بنفس الحدة والوضوح بحيث تستدعي شعوراً بالخطر, وذلك يرجع إلى أن الدولة تتولى حماية الدين ودعمه من خلال أجهزتها الرسمية. وبالرغم من ذلك فقد كانت هناك محاولات لجلب هذه الأزمة وإعادة إنتاجها من خلال الربط بين الخطاب الإسلامي خارج المملكة وداخلها إما من قبل الإسلاميين أنفسهم, أو من قبل خصومهم وهدفهم في ذلك تحقيق أهداف سياسية لحظية.
لا يعني هذا أننا ندعي خلو الخطاب الديني من البعد السياسي؛ لكن نؤكد أن مبادئ هذا الخطاب أقل في صرامتها منها في نظيره من الخطابات خارج المملكة, ومرجع ذلك إلى اختلاف البيئة ونوعية التحديات. لقد أدى استيراد هذه الأزمة إلى خلق حالة من الارتباك والاحتقان غير المبرر على المستوى الاجتماعي؛ ووجه ذلك أن النظام يتبنى رؤية تحديثية تنموية وهو مع ذلك يؤكد على الهوية الدينية, ومطالبات الخطاب الإسلامي لا تعدو أن تكون صيانة لهذا التوجه وترشيداً له.



مصادر ومراجع:
- مجموعة مؤلفين, الحركات الإسلامية وأثرها في الاستقرار السياسي في العالم العربي (مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية).
- عبد الإله بلقزيز, الإسلام والسياسة (المركز الثقافي العربي)
- محمد جابر الأنصاري, الفكر العربي وصراع الأضداد (المؤسسة العربية للدراسات والنشر).
- محمد جابر الأنصاري, تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي (عالم المعرفة).
- عبد الله الخريجي, علم الاجتماع الديني
- إبراهيم أعراب, الإسلام السياسي والحداثة (أفريقيا الشرق - المغرب)
- عادل ظاهر, أولية العقل؛ نقد أطروحات الإسلام السياسي (دار أمواج)
- عبد العزيز الخضر, السعودية سيرة دولة ومجتمع (الشبكة العربية للأبحاث والنشر)


----------------

نقد ( الإسلام السياسي)

ملاحظات على ورقة اثر حركات الإسلام السياسي ,,



بعد التحية للجميع ..كنت أتمنى لو تسنت لي الفرصة للحضور لورقة الأخ عبدالله الضويان , حول أثر حركات الإسلام السياسي , وإذ لم أجد فرصة لذلك فهذه مداخلة ..أطرح فيها بعض الملاحظات على ورقة الزميل الكريم ..



قال الأخ الكريم : (أدى التدهور الذي أصاب الأمة الإسلامية في بدايات القرن الماضي ابتداءً من المواجهات العسكرية مع القوى الأوربية الصاعدة ثم تراجع الدولة العثمانية حتى انهيارها ووقوع غالبية الدول الإسلامية تحت الاستعمار, إلى تسرب الشعور بالضعف والتخلف وبرز السؤال الذي بدا ملحاً وواضحاً في تلك المرحلة وهو السؤال عن سبب هذا التخلف وسبيل الخلاص ).



وثمة إشكال هنا , لماذا لم يتسرب الشعور بالضعف , والتخلف ..قبل هذا التدهور , والانهيار ..الذي كان مظهرا بارزا , من مظاهر التخلف والرجعية ..ذلك أن الاستعمار لم يكن سببا للتخلف , بقدر ما كان نتيجة له ..ولولا هذا التخلف , والانهيار ,ما تهاوى ( رجل أوربا المريض) , ووقعت الدول الإسلامية تحت الاستعمار ..ما هي البنى الفكرية التي ساهمت قبل الاستعمار , في تهاوي المجتمعات الإسلامية ؟! ..إنها مع الأسف ذات البنى التي تنطلق لاحقا من حلها السحري ( الإسلام هو الحل) ..واستجداء الغيب , والركون إلى الماضي , لحل مشكلات العصر , ومعطيات الواقع الجديد , والمتحرك ...إن كل الدول المستعمرة _ بكسر الميم_ هي دول كافرة , بينما الدول المستعمرة _ بفتح الميم_ مسلمة ..وسواء كان الإسلام يتجلى بأبهى صوره , أو بأقلها بهاء ..إلا أنها دول إسلامية , مقارنة بغيرها ..ولم يكن هذا الإسلام لهذه الدول على اختلاف درجته , مانعا لها من الاستعمار ..فأين دور ( الإسلام هو الحل) ..ولو كان الإسلام حلاً , كيف تقدمت الدول الكافرة بدونه ؟! ..وتخلفت المسلمة به , بغض النظر عن درجة تمثلها له ..إذ أن مقولة ( الإسلام هو الحل) ..يعطي صورة مشوشة عن طبيعة هذا ( الإسلام) الذي هو ( الحل) ..فعن أي إسلام نتحدث ؟! , طالما أن البلدان الإسلامية على اختلاف ( إسلامها) تشددا وتيسراً , ظاهرية ومقاصداً , كلها ( متخلفة) , ومستعمرة ؟! ..



كتب الأخ الكريم : (من نافل القول أن الإسلام واحد، حيث لا يجوز الحديث عن إسلامات متعددة، غير أن استقلاله وتفرده لا ينفي تعدد أفهام المتلقين ولا يلغي حقهم في الاجتهاد في حدود النصوص ذات الدلالة غير القطعية, ومن هذا المنطلق تفرع الفقه إلى مذاهب والجماعة المسلمة إلى تيارات و فرق. إن هذا الغياب للوحدة الفكرية لهو دليل واضح على أننا لا نتعامل مع النصوص بل مع آراء متلقيها ).



ما هو ضابط ( القطعية) في النص ؟! بل كيف علم الكاتب أن ماهو ذو دلالة قطعية , لا يجوز فيه الاجتهاد ؟! ذلك أن معرفة أن ما هو ( قطعي) لا يجوز الاجتهاد معه , هو أمر "اجتهادي" , أو استدلالي ..وليس ضروري ..فلا يجمع العقلاء في كل ملة على قطعية هذا القطعي , وإنما هو ( قطعي) نتيجة سلوك ( استنباطي) و ( استدلالي) ..كذلك ما هو ( قطعي ) حينما يستدل به في سياق "ظرفي" , يفقد ( قطعيته) ليكون "ظنياً" , لان تحويله من نص "مجرد" مقتطع من سياقه , إلى نص يقع ضمن سياق وحادثة معينة , وتحقيق مناطه ضمن هذا الظرف..هو أمر ( اجتهادي) ..ومثاله : قطع يد السارق , فهذا حكم قطعي , ولكن إنزاله على حالة معينة , يكون حكماً ( نسبياً) , وهذا ما فعله عمر بن الخطاب ..كذلك القطعي في هذا يرتبط بمقصد , وهو الردع والنهي , لا مجرد ( التشويه) في قطع اليد ..والسؤال : إذا تبين أن دور الإصلاح , والتقويم السيكولوجي , والأخلاقي (للص) يرده عن ارتكاب "السرقة" فهل في هذا تعارض مع ( قطعية المقصد) للنص نفسه ؟! ...إن ما هو (قطعي) لا يحدد إلا اجتهاداً , كذلك هو كنص إبتدائي يمكن وصفه ( بالقطعية) , ولكن دخوله في علاقة "ديالكتيكية" مع الواقع يحيله إلى نص "نسبي" , أو مقاصدي ..والنص المقاصدي نص "عقلي" تشترك به كل العقول في العالم ..ضمن إطار التحسين والتقبيح العقليين ..كذلك المدارس الإسلامية كالاشاعرة , والمعتزلة , وأهل السنة ..اختلفو على نصوص عقدية , ولم يكفر أيا من هذه الفرق الفرق الأخرى , ويخرجها من دائرة الإسلام , رغم أن الخلاف يتجاوز الفرعيات , إلى قضايا عقدية , أختلف الصحابة حولها ..





قال الأخ الكريم : (وفي نصوص القرآن والسنة تأكيد على مفاهيم من شأنها الإبقاء على صفائه وحمايته من الانحراف والاندثار، كالتركيز على العلم والتعلم والذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد والتوبة ومراجعة النفس وغيرها من المفاهيم التي ضمنت له الحياة في كل الظروف.)



هل ثمة دين في العالم , أو أي تجمع عقلاء في العالم ..لا يقول بذلك ؟! إذ لولا الأمر بالعلم , والتقدم , والأمر بالمعروف ..ما سادت الدول المستعمرة _ بكسر الميم_ على الدول المستعمرة _ بفتح الميم_ هل ثمة مجتمع بالعالم , على اختلاف عقيدته , لا يقول بالعلم , ولا يتمثل مجتمعه لقيم أخلاقية ؟!..إن هذه الأمور التي أتى بها الدين الإسلامي , هي موجودة في كل دين ..هي إدراك "عقلي" , يدركه كل عاقل في العالم ..تخصيص دين معين بها , يكذبه الواقع ..الذي يكشف عن تطور كثير من المجتمعات رغم كفرها ..وتخلف كثير من الدول الإسلامية ..كما في تقارير التنمية ..رغم القول بخصوصية هذه المجتمعات "الدينية" لأنها تنطلق من دين متجدد , ويحرص على التطور ..الدين نص مقدس , ومحايد ..وإنما العقل المتعاطي معه , هو الذي يحوله إلى نص فاعل ومتحرك , أو نص جامد .وهذا العقل , هو خارج سلطة الدين .. إذ ان معرفة البعد الأخلاقي للنص الديني , يستلزم معرفة أخلاقية سابقة على النص ..وإلى لو كانت القيمة الأخلاقية يشكلها النص , وقعنا في الدور وهو محال ..بمعنى , هل يمكن للنص الديني أن يأمر بما هو غير أخلاقي ؟! ..إن كان : لا ..كيف علمنا ذلك ؟! إذا قلنا : بالنص , وقعنا في ( الدور) , إذا كان بمرجعية أخلاقية "عقلية" , تحاكم النص ودلالته الأخلاقية , فهنا نقول بأمر "عقلي" يتجاوز النص ..



قال الأخ الكريم : (هل كانت علاقة موضوعية فرضتها شروط مرحلة تاريخية ما، والشروط التاريخية من شأنها التغير مما ينفي عن هذه العلاقة صف الثبات؟, أم أن العلاقة بينهما علاقة منطقية مفهومية بمعنى أن سياسة أحوال الناس جزء من جوهر الإسلام لا يتأثر بالأحوال والظروف؟ ) ..



هذا سؤال في غاية الخطورة , والأهمية ..وكنت أنتظر من الأخ الإجابة عليه ..ذلك أن أزمة الفكر والتاريخ الإسلامي , تكمن في تداخل "الديني" بالسياسي ..فلو تم التعاطي مع السياسة في سقيفة بني ساعدة , كشأن "دينوي" , لا ديني ..ما تفرعت كل هذه المذاهب العقدية داخل الإسلام , التي كانت تنطلق من موقف سياسي , تحول لاحقا , إثر التراكم الكمي , إلى تغير نوعي / عقدي ..إن الرسول لم يبين أمر السياسة , لأنه شأن دنيوي , ولو كان "ديني" , ما مات إلا وقد بينه ..ولكن السياسة شأن "مدني" صرف , يحكم بمحددات , وسياقات الواقع الجديد , والمتغير ..



قال الأخ الكريم : (فالبنية الثقافية الدينية للمجتمعات العربية من أهم خصائصها الاستمرارية, والقدرة على تجديد نفسها وتنشيط فاعليتها، فالعقل الإسلامي يقر بالتطور والتحول ويعتبره ناموساً في الوجود، ويؤكد على مشروعية الاجتهاد وضرورته خارج إطار النصوص القطعية الثابتة التي تمثل جوهراً مطلقاً ذا إلزامية لا محدودة ويفتح الباب على مصراعيه للاجتهاد في الفروع التي يندرج تحتها ما يتعلق بالمعاملات ).



كيف تكون البنية الثقافية متجددة , وهي أسيرة الماضي ومقولاته ؟! وهي أسيرة الماضي ومذاهبه ؟! بل لو كانت ثقافة متجددة , ومتطورة ..كيف تهاوت أمام الاستعمار ؟! ..كيف لثقافة دينية متجددة ..أن لا تستطيع الخروج من ربقة التقليد , واجترار مقولات الأئمة السابقين ؟! كيف لثقافة متجددة , تبقى على ما يقرره الماوردي , وأبو يعلى , فيما يتعلق بالسياسة الشرعية ؟! ..كيف منذ معاوية وحتى اليوم , لم يحسم الموقف من سلطة الشعب والسياسي ..بل إن الشعب ليس إلا "رعية" _ كذا_ وكما يقرر الفقهاء أن العقد السياسي والديني مثل عقد ولي الفتاة , والزوج ..والشعب هم "الفتاة" ليس لهم من الأمر شيء ؟! ..البنية الدينية هي بنية غير قابلة للتجديد مع الأسف , ولو كانت كذلك ..ما كان هذا وضعها اليوم ..بل القول أنها متجددة , ومتطورة ثم تعرضت للتهاوي , يعني أن لدينا مشكلة في تعريف التطور , والتجدد ..! وإن قلنا أن هذه القابلية للتطور هي في (النص) ولكن الإشكال في المسلم ( المتعاطي معه) ..نسأل : لو كان التجديد في ذات النص , لماذا لم يحرك "النص" المسلم لاستخراج مكنونه المتجدد ؟! ..إن القول باكتناز النص , وقابليته للتجديد .. وبعدم قدرة المسلم على تفعيل دوره في قراءة النص , يؤكد ما نقوله عن أسبقية وأولية "العقل" , الذي يتحرك ليحرك معه ( النص) لا أن نضع العربة أمام الحصان , فيتحرك النص ليحرك العقل القارئ له !! ..



نقل الأخ الكريم : (وذلك من خلال استعارته للطهرانية الدينية في السياسة فيبدو خطاباً أخلاقياً على مستوى من العفة, وهو يجسد الواقعية السياسية في صورتها

الجلية على صعيد الدين فيقنع جمهوره أن الإيمان ليس محض عقائد والتزامات مع الخالق فحسب بل فعل إنقاذ لأحكام الدين في الدنيا, يغذي ذلك ويقويه شمولية الفكرة الإسلامية مجال المصالح والمنافع ومجال العلاقة بين المخلوقين. ووجه هذا الاحتكار أن فرص المنافسة معه ضعيفة وباهتة بسبب انقطاع الصلة بين سائر الخطابات السياسية وبين مجال الرمز الديني ) ..!



السياسة تقوم على المتغير , والمصلحي , وليست منظومة أخلاقية "دينية" ..كذلك (الدين) يمكن أن يستخدمه السياسي في الاستبداد , أو يستخدمه في العدل ..وسيجد في ( النص) ما يسعفه لكلا هذين الخيارين ..والدين يستخدمه (الخارجي) في القتل , والتفجير ..و ( السلطاني) في تبرير الحاكم , وهكذا يقبل الدين القراءة والقراءة المضادة ..بل حتى الصحابة الذين شهدوا التنزيل , تقاتلوا , واستحل بعضهم دماء بعض , أنطلاقا من ذات ( النص) ..فالنص هنا موضوع إشكال ..من يفهمه ؟! وكيف نؤكد أن فهم هذا أحق من فهم ذاك ؟! فإن قلنا : بالعودة إلى ( النص) فهذه مصادرة على المطلوب ..إذ أن هذه العودة (للنص) إمام تقدم قراءة ثالثة , أو تؤكد أحد هاتين القراءتين ..والسؤال : ما الذي يجعل القراءة الثالثة , أو المؤكدة , حجة على غيرها ..طالما أن ( جدل النص) نفسه لم يحسم ..؟! ولهذا نجد الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة , يقول له إذا أتيت قوما فلا تنزلهم على حكم الله فإنك لا تعلم أتصيب فيهم حكم الله أم لا ..وإنما أنزلهم على حكمك ..فكل تناول (بشري) للنص , يلغي عصمة ( النص) , ولا يتوسل بنقضه أنطلاقاً من (النص) نفسه ..لتعددية وضدية قراءات هذا ( النص) , الذي يكمن إعجازه في سعته وثراءه اللغوي , والتأويلي ..





يقول الأخ : (ويضيف محللون مزية أخرى تتعلق ببساطة الخطاب الإسلامي حيث هو امتداد للمدرسة الحنبلية التي جسدتها أفكار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم واستعادتها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب والتي من أهم سمات خطابها أنه بدوي تبسيطي يتغلغل في الوعي الشعبي بسرعة وأنه استمد بعده الفكري من خلال تفاعل البيئات الحضرية معه (مصر على سبيل المثال).



التغلغل في مصر , نتيجة الدعم المادي الكبير , للفكر الوهابي ..وإلا هو "فكر" معادي للتطوير , وللنهضة ..وهو فكر بسيط وساذج في تعاطيه مع معطيات ومتغيرات وتعقيدات العصر ..





كتب الأخ الكريم : (- النص والعقل يسيران في اتجاه واحد، وإذا اشتبه التعارض كان النص أولاً ومن ذلك يتفرع المبدأ الثاني.

2- لا اجتهاد في مقابل النص ،إذ كيف يقوم الاجتهاد الظني مقام النص القطعي.

3- الإسلام دين و دولة, ولا يجوز الفصل بين جانبيه الاعتقادي والعملي المتعلق بسياسة أحوال الناس (تطبيق الشريعة الإسلامية).

4- لا تعارض بين قيام دولة إسلامية وبين الديمقراطية في بعض جوانبها.)



بالنسبة للنقطة الأولى : كيف علمت أن النص يقدم على العقل في حال التعارض بينهما ؟! كيف تفهم دلالة (النص) على التعارض ؟! لا يمكن أن تقدم (النص) لأن أي حجة تستخدمها لتقديم (النص) هي حجة عقلية ابتداء ..!





النقطة الثانية : كيف علمت هذه القاعدة ؟! أنه ( لا اجتهاد مع النص) ؟! إلا بالاجتهاد , لأن هذه قاعدة استدلالية , وليست ضرورية ...ما هو النص ( القطعي) ؟! الحكم القطعي يعتبر ابتداء , ودون تفاعله مع ظرفيته , نص (قطعي) على دلالته , لكن تحقيق مناطه , ودخوله في علاقة تفاعلية مع الواقع يحوله إلى نص ( نسبي) و ( اجتهادي) ..



النقطة الثالثة : دين ودولة ..والعطف يقتضي التغاير ..وكونك توجد علاقة بينهما , هذا دليل أنهم متغايران ! ..والجانب العملي لا علاقة له بالجانب الأعتقادي ..وإلا حكمت بالكفر على المسلمين الذين يمارسون عقائدهم بحرية , في المجتمعات العلمانية ..لأن الترابط بين العقدي , والعملي عندك , ترابط ضروري ..!



النقطة الرابعة : ما هو دليل عدم هذا التعارض ؟! وبالنسبة لفهم من ؟! وما حجة من لا يرى التعارض , على من يرى التعارض ؟!!



كتب الأخ : (لا يختلف الخطاب السياسي الإسلامي كثيراً في القواعد والمقدمات عن غيره من الخطابات السياسية في العالم العربي؛ فهو خطاب دعوي تبشيري تحريضي، غير أن هناك من السمات ما تبدو أكثر بروزاً لديه:

- هو خطاب تبسيطي يميل إلى التواصل السهل مع جمهوره ويساعده في ذلك رمزيته الدينية التي لا ينافسه فيها غيره، ووقوفه في الغالب موقف المعارضة وذلك يكسبه المصداقية المطلوبة.

- التفاعل مع الحداثة ايجابياً وإن بدا ظاهراً أنه يتعامل مع الحداثة بشيء من الحذر المشوب بالرفض.

-اختياره للصبغة الإسلامية كمنطق خطابي بدلاً من منطق الفعالية المجردة وذلك جعله نافذاً في مجتمع مصطبغ بالصبغة الدينية ) .



1_ كذلك خطاب ( شعر القلطة) خطاب تبسيطي , وسهل للجمهور .!

2- هل المعارضة تمثل "المصداقية" دوماً؟! ..

3- ماذا أضافت هذه الحركات للحداثة من ناحية إيجابية ؟!

4- حتى خصوم الحركات الإسلامية من الإسلاميين التقليديين , ينطلقون من صبغة دينية , في مجتمعات لها ذات الصبغة ..! فما الذي يجعل بعضهم حجة على بعض ؟!



يقول الأخ الكريم : ( أنها تحتكم لقيم المجتمع السائدة, وتركز على صيانة هذه القيم وتقويم الانحرافات عنها.

- أن دورها يصب في إطار تقوية الأسس التي تقوم عليها هذه المجتمعات وتعضيد بنيتها القيمية ونسيجها الاجتماعي.)



كيف يجوز لها تقويم وتقديل القيم , ولا يجوز ذلك لغيرها ؟! تحرير العبيد , وزواج الصغيرات , والتفاوت الطبقي , والعرقي , سمات المجتمعات المسلمة ..وهذه قيم تم تقويمها انطلاقا من اعتبارات أخلاقية أكثر من كونها دينية , كتحرير العبيد , الذي قاده أبراهم لينكون ..! وكما ذكرنا سابقا الاعتبار الأخلاقي , سابق (للنص) . وهو الذي حدد أخلاقية ( النص) ..





مع كل التحايا ,,



الحميدي العبيسان ,,



------------



قرأت ملحوظات أخينا د الحميدي ، في رسالة رقم ( 194) ، وكم تمنيت أنه موجود يوم أن طرحت الورقة

ليثري النقاش بمداخلته ، و كانت مداخلته المكتوبة هنا ثرية جدا - مع تحفظي على

بعض ما طرح - ولست هنا بصدد ذكر كل ما اختلف معه فيه ، لكن لفت نظري نقطتان :
النقطة الأول : قوله ((ما هو ضابط ( القطعية) في النص ؟! بل كيف علم الكاتب أن ماهو ذو دلالة قطعية , لا يجوز فيه الاجتهاد ؟! ذلك أن معرفة أن ما هو ( قطعي) لا يجوز الاجتهاد معه , هو أمر "اجتهادي" , أو استدلالي ..وليس ضروري ..فلا يجمع العقلاء في كل ملة على قطعية هذا القطعي , وإنما هو ( قطعي) نتيجة سلوك ( استنباطي) و ( استدلالي) ..كذلك ما هو ( قطعي ) حينما يستدل به في سياق "ظرفي" , يفقد ( قطعيته) ليكون "ظنياً" )) ،

ومحصل كلام الدكتور هنا تحويل الدين كله إلى أمر نسبي ظني ، وهو هنا يناقض العقل ، أي أنه يدعو لأمر غير عقلاني إطلاقا ، فكل دين يقوم على قطعيات متفق على قطعيتها يستحيل عقلا أن يبقى وصف ( الدين ) صادقا عليه من دونها ، فقطعية وجود رسول للدين ووجود إله مرسل لهذا الرسول ، وقطعية وجود أركان لا يتم وصف الدين بدونها ، أمر عقلاني لا يمكن إنكاره ، وهذه الثلاثة وتعيينها إنما يكون بالنص ، فتعيين الرسالة لمحمد صلى الله وسلم ، وتعيين أركان الإسلام وصفاتها إنما مصدره النص لا العقل ؛ إذ العقل يُجِّوز نفيها لمن لا يؤمن بالأديان كلها ، ويجوز إثبات الرسالة لغير محمد وإثبات أركان أخرى للإسلام لمن هو مؤمن غير ملحد ، وكل باحث تجاهها بين أمرين :

الأمر الأول : أن يسلم أنها قطعيات في الإسلام لا يجوز الخلاف فيها ، والاجتهاد فيها ، وأن كل مسلم مهما كان مذهبه ( سنيا أو شيعيا أو أباضيا أو زيديا أو معتزليا .. إلخ ) مؤمن بها وليس هناك خلاف ألبتة فيها ، وهنا فهو يسلم بمبدأ وجود ( القطعي ) في الدين وأنه متفق عليه لا يجوز الخلاف حوله إطلاقا ، وبهذا تبطل نظريته بنسبية الآراء الدينية كلها ، وتبطل نظريته بأن الحاكمية في كل شيء في الدين للعقل ، ولابد أن يسلم أن للنص مجالا في إثبات قطعية بعض مبادىء الدين

الأمر الثاني : ألا يسلم بقطعية ماذكرته ( وجود الله ، وصحة رسالة الرسول ، وأركان الدين ) فتكون عنده ظنية خاضعة للاجتهاد والنفي ،إذ الظني قابل للثبوت ، وقابل للنفي وهنا يكون الدين كله برمته ظنيا ، ، وهنا ينتفي وجود الدين أصلا ؛ إذ لا وجود لدين كله ظني قابل للنفي .

يبقى الاختلاف في مساحة ( القطعي ) أمرا قابلا للاجتهاد فقد يتوسع بعض السلفيين في القطعيات حتى يدخلوا فيها ما هو ظني ، وقد ينفي بعض من يرى أنه عقلاني ما أجمع على قطعيته ( إجماعا حقيقيا ) .

ولو أن الدكتور حدد مساحة الظني بما ليس من أركان الإسلام والإيمان وما ليس عباديا محضا ( إذ العبادة لا عمل للعقل فيها باتفاق العقلاء ، فالإيمان بها مصدره النص ولا شيء غير النص تشريعا من حيث مبدأ التكليف ، ومن حيث صفات العبادة (( كالصلاة وعدد أركانها والصوم ووصفه والحج والاعتكاف .. إلخ )) لو فعل الدكتور ذلك لكانت وجهة نظره قابلة للمناقشة ، أما أن يقرر أن العقل حاكم على كل النصوص فهي نظرة غير عقلانية أبدا

النقطة الثانية : قال الأستاذ الضويان (( النص والعقل يسيران في اتجاه واحد، وإذا اشتبه التعارض كان النص أولاً.) علق عليه الدكتور الحميدي بقوله (( كيف علمت أن النص يقدم على العقل في حال التعارض بينهما ؟! كيف تفهم دلالة (النص) على التعارض ؟! لا يمكن أن تقدم (النص) لأن أي حجة تستخدمها لتقديم (النص) هي حجة عقلية ابتداء )) أ هـ


قلت :نحن هنا بين قولين قول الضويان بتقديم النص دائما ( تقريبا وإن كان عاد وقال كيف نقدم الاجتهاد الظني على النص القطعي ) ، وقول الحميدي بتقديم العقل دائما ، والطريف أن هذا الخلاف بين الزميلين الفاضلين هو الخلاف الذي شغل الأمة منذ القرن الثالث الهجري إلى الآن ، وقد نظَّر الرازي لوجوب تقديم العقل ، ونظَّر متقدمو أهل الحديث لتقديم النص وكلا القولين خطأ ، وطرح ابن تيمية نظرية رائعة في هذا وهي : إذا وجد تعارض بين العقل والنص فلا يخلو التعارض من أربع صور :

الصورة الأولى : أن تكون دلالة العقل قطعية ودلالة النص ظنية فهنا يجب تقديم دلالة العقل .

الصورة الثانية : أن تكون دلالة النص قطعية ودلالة العقل ظنية فهنا يجب تقديم دلالة النص كوجود الجن مثلا .



الصورة الثالثة : أن تكون دلالة العقل ودلالة النص كلاهما ظنية هنا يرجح أحدهما وهو ما كان له مرجح .

الصورة الرابعة : أن تكون دلالة العقل قطعية ودلالة النص قطعية وهذه مستحيلة الوجود أصلا ، قلت : لأن المسلم يؤمن أن القطعي من دلالات النصوص لا يمكن أن يناقض القطعي من دلالات العقول ، وغير المسلم يرى استحلالة وجود قطعي يخالف دلالة العقل القطعية ،لكن المسلم هنا لا يسلم بأن ما يذكره غير المسلم هو قطعي من حيث العقل ، بل يظل ظني الدلالة ، فمثلا لو ادعى غير المؤمن أن العقل يدل دلالة قطعية على استحالة البعث بعد الموت ، لم يسلم له المؤمن بهذا ، لأن الدلالة العقلية القطعية لا يختلف العقلاء في قطعية دلالتها ومثل ذلك فقطعيات الدين المتفق على قطعيتها دينيا كإثبات وجود الخالق وإثبات الرسالة لا يمكن إثبات قطعية استحالة وجودها من الناحية العقلية .



ما الإشكال الذي نعاني منه اليوم وعانت منه الأمة سابقا ؟

الإشكال هو عدم (( حصر )) قطعيات الدين المجمع على قطعيتها فهناك قطعيات متفق عليها كأركان الإسلام ، وأركان الإيمان ، وحرمة الكبائر المجمع على حرمتها،وغيرها ، فدلالة النص على مثل هذا قطعية بإجماع كل المذاهب الإسلامية ، لكن يبقى الإشكال في أن كل مذهب ديني يؤمن بقطعيات لا تتفق معه بقية الفرق على قطعيتها ؛ فمذهب أهل الحديث والحنابلة ( ما يسمى اليوم بالمذهب السلفي ) يرى أن دلالة النص على العلو لله من القطعيات، والمذهب الشيعي يرى دلالة النص على الإمامة من القطعيات ، والمذهب المعتزلي يرى دلالة النص على نفي الصفات عن الله تنزيها له من القطعيات ، وهكذا ، ولعل أجمل ما في مذهب أهل الحديث أن المحققين منهم كابن تيمية لا يكفرون من لا يتفق معهم على الإيمان بقطعية دلالة بعض النصوص كدلالة آيات الصفات ، بل يبقونهم في دائرة الإسلام مع النظر إليهم على أنهم مبتدعة ، هذا من حيث التأصيل لكن من حيث التطبيق والممارسة يحصل تعد كبير في هذا .



نختم بإعادة التذكير بالنقطتين :

- نفي القطعية عن كل دلالات النصوص في الإسلام قول غير عقلاني إطلاقا .



- خطأ القول بتقديم النص إذا عارض العقل مطلقا ، وخطأ القول بتقديم العقل مطلقا .



أشكر الدكتور الحميدي على إثراء النقاش حول الورقة



د سليمان الضحيان



-------------

قال الدكتور الضحيان : (ومحصل كلام الدكتور هنا تحويل الدين كله إلى أمر نسبي ظني ، وهو هنا يناقض العقل ،

أي أنه يدعو لأمر غير عقلاني إطلاقا ، فكل دين يقوم على قطعيات متفق على قطعيتها

يستحيل عقلا أن يبقى وصف ( الدين ) صادقا عليه من دونها ، فقطعية وجود رسول

للدين ووجود إله مرسل لهذا الرسول ، وقطعية وجود أركان لا يتم وصف الدين بدونها

، أمر عقلاني لا يمكن إنكاره ، وهذه الثلاثة وتعيينها إنما يكون بالنص ، فتعيين

الرسالة لمحمد صلى الله وسلم ، وتعيين أركان الإسلام وصفاتها إنما مصدره النص لا

العقل ؛ إذ العقل يُجِّوز نفيها لمن لا يؤمن بالأديان كلها ، ويجوز إثبات

الرسالة

لغير محمد وإثبات أركان أخرى للإسلام لمن هو مؤمن غير ملحد ، وكل باحث تجاهها بين

أمرين :



الأمر الأول

:



أن يسلم أنها قطعيات في

الإسلام لا يجوز الخلاف فيها ، والاجتهاد فيها ، وأن كل مسلم مهما كان مذهبه

( سنيا أو شيعيا أو أباضيا أو زيديا أو معتزليا .. إلخ ) مؤمن بها وليس هناك خلاف

ألبتة فيها ، وهنا فهو يسلم بمبدأ وجود ( القطعي ) في الدين وأنه متفق عليه لا

يجوز الخلاف حوله إطلاقا ، وبهذا تبطل نظريته بنسبية الآراء الدينية كلها ، وتبطل

نظريته بأن الحاكمية في كل شيء في الدين للعقل ، ولابد أن يسلم أن للنص مجالا

في إثبات قطعية بعض مبادىء الدين )



كيف علمت يا دكتور أن : (كل دين يقوم على قطعيات متفق على قطعيتها ) ..لا أظنك ستقول علمت ذلك من ( النص) فهذه مصادرة على المطلوب , لأن (النص) الذي يفيد القطعية , يحتاج إلى دليل (عقلي) يثبت عصمته , و قطعيته ..وما ذكرته أنت من أن (العقل) نفسه يقر بذلك ..وبالتالي تقديم العقل هنا أمر ضروري , لتحديد ما هو "قطعي" , لا سيما أن تحديد ما هو (قطعي) أمر استدلالي لا ضروري ..كذلك , هل (قطعية ) وجود الرسول علمت بالنص أم بالعقل ؟! ..إن كان ب(النص) كيف دل النص عليها أصلا ؟! بكل يكف علمت أن مصدر (النص) إلهي ؟! دون مرجعية العقل ابتداءً ؟! وفهم دلالته على هذا (الوجود للرسول ) وعلى وجود (القطعيات) ؟!..



يا دكتور , كيف علمت أن النص الذي نص على نبوة محمد نص (قطعي) ومن الله ؟! هل هو من (النص) نفسه , أم أمر عقلي ..يدرك أن لكل شيء موجد , وأن الله لا يعطي المعجزة الكذاب , ولا يفعل القبيح ..فدل ذلك ابتداء على أن هذا النص من الله , وهذا الرجل المؤيد بالمعجزة نبي , وبالتالي تم التسليم بما هو "قطعي" في ما حمله هذا الرسول , انطلاقا من (العقل) ..!



تقول يا دكتور : (قطعيات في الإسلام لا يجوز الخلاف فيها ) ..كيف علمت ذلك ؟! كيف فهمت أن دلالة (النص) الذي تسلم له , لا تجيز الخلاف في ذلك ؟! إن قلت : بالنص مصادرة ..إن قلت : بالعقل ..فهذا ما نقوله ..



القطعيات الدينية , يسلم بها , لان (العقل) أقر بقطعية (النص) ..أقر بوجود الخالق (عقلا) و بالمعجزة ( عقلا) , وأن الله لا يعطي المعجزة الكذاب ( عقلا) ..وبالتالي : فما هو في هذا (النص) الذي ثبت مصدره (عقلياً) , من (القطعيات) يسلم بها ..





قال الدكتور : (الأمر الثاني

: ألا يسلم بقطعية ماذكرته

( وجود الله ، وصحة رسالة الرسول ، وأركان

الدين ) فتكون عنده ظنية خاضعة للاجتهاد والنفي ،إذ الظني قابل للثبوت ، وقابل

للنفي وهنا يكون الدين كله برمته ظنيا ، ، وهنا ينتفي وجود الدين أصلا ؛ إذ لا

( وجود لدين كله ظني قابل للنفي)



يا دكتور هل علمت ( وجود الله) بالعقل أم بالنص ؟! ..إن كان بالعقل فهذا ما نريد ..إن كان بالنص , كيف علمت أن هذا النص من الله ؟! هل ستقول من النص نفسه ؟! سندخل هنا في (دور) والدور محال ..



قال الدكتور : ( ولو أن الدكتور حدد



(مساحة الظني بما ليس من أركان الإسلام والإيمان وما ليس عباديا محضا إذ العبادة

لا عمل للعقل فيها باتفاق العقلاء ، فالإيمان بها مصدره النص ولا شيء غير النص

تشريعا من حيث مبدأ التكليف ، ومن حيث صفات العبادة (( كالصلاة وعدد أركانها

والصوم ووصفه والحج والاعتكاف .. إلخ )) لو فعل الدكتور ذلك لكانت وجهة

نظره قابلة للمناقشة ، أما أن يقرر أن العقل حاكم على كل النصوص فهي

نظرة غير غير عقلانية أبدا )



يا دكتور لقد قلت في ردي في الموضوع الأول : (كذلك ما هو ( قطعي ( حينما يستدل به في سياق "ظرفي" , يفقد ( قطعيته) ليكون "ظنياً) ..وما يدخل في السياق (الظرفي) ليس من قبيل العبادات , وإنما من قبيل المعاملات , وهذه قرينة في غاية الوضوح ..كما لا ينفي أن مصدر التسليم ب(القطعيات) هو لثبوت مصدرها الإلهي بالعقل , الذي اثبت عصمة (النص) , و ( النبي) الحامل له ..



قال الدكتور : (وطرح ابن تيمية نظرية رائعة في هذا وهي : إذا وجد تعارض بين العقل والنص فلا يخلو التعارض من أربع صور :

الصورة الأولى : أن تكون دلالة العقل قطعية ودلالة النص ظنية فهنا يجب تقديم دلالة العقل .

الصورة الثانية : أن تكون دلالة النص قطعية ودلالة العقل ظنية فهنا يجب تقديم دلالة النص كوجود الجن مثلا .



الصورة الثالثة : أن تكون دلالة العقل ودلالة النص كلاهما ظنية هنا يرجح أحدهما وهو ما كان له مرجح .

الصورة الرابعة : أن تكون دلالة العقل قطعية ودلالة النص قطعية وهذه مستحيلة الوجود أصلا ، قلت : لأن المسلم يؤمن أن القطعي من دلالات النصوص لا يمكن أن يناقض القطعي من دلالات العقول ، وغير المسلم يرى استحلالة وجود قطعي يخالف دلالة العقل القطعية ،لكن المسلم هنا لا يسلم بأن ما يذكره غير المسلم هو قطعي من حيث العقل ، بل يظل ظني الدلالة ، فمثلا لو ادعى غير المؤمن أن العقل يدل دلالة قطعية على استحالة البعث بعد الموت ، لم يسلم له المؤمن بهذا ، لأن الدلالة العقلية القطعية لا يختلف العقلاء في قطعية دلالتها ومثل ذلك فقطعيات الدين المتفق على قطعيتها دينيا كإثبات وجود الخالق وإثبات الرسالة لا يمكن إثبات قطعية استحالة وجودها من الناحية العقلية ).



هذه من فذلكات ابن تيمية ..فهو يقول : (إذا وجد تعارض بين العقل والنص ) .. جميل كيف يوجد / ويكشف التعارض بين النص والعقل إلا بالعقل نفسه , الذي كشف عن وجود الأشكال التي سيتم ذكرها تبعاً ..

أولا في قوله : (أن تكون دلالة العقل قطعية ودلالة النص ظنية فهنا يجب تقديم دلالة العقل ) ..من يحدد كون دلالة العقل ( قطعية) أو (ظنية) , وكذلك (النص) ليرجح بينهما , إلا ( العقل) ..! بل إن كل كلام أبن تيمية في هذه الفقرات هو استدلالي (عقلي) في التعامل مع التعارض (النصي/القطعي) ..



كذلك في الحالة الثانية : (أن تكون دلالة النص قطعية ودلالة العقل ظنية فهنا يجب تقديم دلالة النص كوجود الجن مثلا) ..كيف أوجب أبن تيمية تقديم دلالة (النصي القطعي ) على ( العقلي الظني) إلا بالعقل (القطعي) , كذلك وجود ( الجن) ليست من المحالات ..إلا عند الحسي , وهو ليس مذهب عقلي ..فوجود الجن ثبت ب(النص) , الذي أثبت العقل أنه من الله , فسلم بوجود "الجن" لذلك ..ولا يتعارض هذا التسليم مع (العقل) مطلقاً ..إلا إذا اختصر العقل في (المحسوسات) ..



كذلك في الحالة الثالثة : (أن تكون دلالة العقل ودلالة النص كلاهما ظنية هنا يرجح أحدهما وهو ما كان له مرجح) ..كيف علمت (ظنية النص) و (ظنية العقل) إلا بالعقل , وهو المرجح بينهما ..!



كذلك في الحالة الرابعة : (أن تكون دلالة العقل قطعية ودلالة النص قطعية وهذه مستحيلة الوجود أصلا ، قلت : لأن المسلم يؤمن أن القطعي من دلالات النصوص لا يمكن أن يناقض القطعي من دلالات العقول ، وغير المسلم يرى استحلالة وجود قطعي يخالف دلالة العقل القطعية ،لكن المسلم هنا لا يسلم بأن ما يذكره غير المسلم هو قطعي من حيث العقل ، بل يظل ظني الدلالة ، فمثلا لو ادعى غير المؤمن أن العقل يدل دلالة قطعية على استحالة البعث بعد الموت ، لم يسلم له المؤمن بهذا ، لأن الدلالة العقلية القطعية لا يختلف العقلاء في قطعية دلالتها ومثل ذلك فقطعيات الدين المتفق على قطعيتها دينيا كإثبات وجود الخالق وإثبات الرسالة لا يمكن إثبات قطعية استحالة وجودها من الناحية العقلية ) ..



كيف علم ابن تيمية أنه لا يمكن : (أن تكون دلالة العقل قطعية ودلالة النص قطعية وهذه مستحيلة الوجود أصلا ؟! ) إلا بالعقل نفسه , لاسيما أنه أحال إلى العقلاء : (لأن الدلالة العقلية القطعية لا يختلف العقلاء في قطعية دلالتها ومثل ذلك فقطعيات الدين المتفق على قطعيتها دينيا كإثبات وجود الخالق وإثبات الرسالة لا يمكن إثبات قطعية استحالة وجودها من الناحية العقلية ) إذن هو اثبت "القطعية العقلية" بنفي وجود "قطعية عقلية" تنفيها ..! إذن هو يقدم (العقل) .وكل هذه المقاربات هي مقاربات ( عقلية) ..



ودمتم



الحميدي ..

--------------

في البداية أحب أن أشكر الزميل الحميدي العبيسان على قراءته للورقة باهتمام, ثم على مداخلته الثرية التي وددت لو أنها كانت في حلقة النقاش لتضيف ثراءً إلى الموضوع المطروح ولكن قدر الله وما شاء فعل. وكذلك قرأت بكثير من الاغتباط مداخلة الدكتور سليمان الضحيان والنقاش الذي أثارته وأحب أن أعلق فيما يخصني وأعتذر عن التأخر لعدم تواجدي قريباً من الجهاز.



مقدمة لا بد منها:



لم أكن أهدف إطلاقاً من خلال طرحي لهذه الورقة التبشير بحركات الإسلام السياسي والتأكيد على ثوابتها ومسلماتها كما فهم البعض,وشوّش ذلك عليهم فكانت مداخلاتهم منصبة على نقد طروحات الإسلام السياسي بشكل مركز أكثر من اتجاهها إلى نقد القراءة لأثرها على المجتمعات العربية. أوافق على كثير من النقاط التي أثيرت في نقد الحركات وأخالف في بعض ولكن ذلك كله لم يكن موضوعي. لقد كنت أحاول إثارة بعض الأسئلة حول الأثر المحوري الذي لعبته هذه الحركات إن سلباً وإن إيجاباً؛ وما أبرز مظاهر هذا الأثر؟ ما هي جذوره؟ ما العوامل الداخلية والخارجية التي غذت ذاك الأثر أو كبحت من حدة ذاك؟ وهل يمكن الاستفادة من هذه القراءة في نقد الخطاب الإسلامي السعودي؟ أؤمن بتقازم طرحي أمام هذه الأسئلة ولكني أراها أسئلة مستفزة لعقول متوقدة تضمها حلقتنا النقاشية وذلك ما كان ولله الحمد, واحتوت الورقة الكثير من الإشكالات التي تجاوزت معالجتها لأن ذلك لا يخدم موضوع الورقة وهي في نفس الوقت مادة مهمة يمكن أن تكون موضوع ورقات قادمة.



بالنسبة لما ذكر الأخ الحميدي حول شعار: "الإسلام هو الحل" ونقده له, والأسئلة التي أثارها شيء نتفق أنا وإياه فيه في معظمه ولكن الذي نتفق فيه بشكل مؤكد وتفصيلي هو أن هذه الحركات استخدمت هذا الشعار إبان أزمة الهوية التي تولدت من الشعور بالضعف والتخلف, وكنت أقصد من ذلك أن أقول أن نشأة هذه الحركات كانت ردة فعل على أزمة ولم أقصد بذلك التسويق لهذا الشعار الذي وجد لخدمة السياسة لا لخدمة الإسلام.



أما النصوص قطعية الدلالة فلا أزيد على ما ذكر الدكتور سليمان الضحيان, فقد قال وأجاد ولا أجاريه في هذا الجانب, غير أن التدخل البشري في تنزيل الحكم على واقعة معينة لا ينفي عن النص صفة القطعية بل ينفيها عن الاجتهاد حال تناوله لهذا النص, وهذا فرق مهم. إذ نتفق أنا وإياك في فهم آية السرقة بأنها تدل قطعاً على أن السارق تقطع يده ولكن نختلف في تطبيق ذلك على الحالات المختلفة ومن ذلك عام الرمادة من خلال إعمال نصوص أخرى في توجيه الحكم لا توجيه المعنى. فالنص بقي على دلالته من دون تحريف أما الفهم والتطبيق فهو محل اخذ ورد كونه جهداً بشرياً غير معصوم حتى إن صدر من خليفة راشد بحجم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه. وأرى أن نقاش الأخ الحميدي للدكتور الضحيان يخلط بين دور العقل في إثبات قطعية النص ودوره في فهم النص بعد ثبوت قطعيته ففي العملية الأولى يكون مؤداه التصديق بأن هذا النص قطعي بغض النظر عن محتواه وفي العملية الثانية يحاول العقل فهم محتوى النص ليتم العمل والتسليم. فسلطة النص على العقل سلطة فرضها العقل نفسه وهذا نسميه الإيمان بالنص. ففي إطار الإيمان يجب على العقل ألا يطغى على النص بعد أن ثبت له قطعيته وإلا شكك في قطعيته وهذا تناقض.



ثم يذكر الأخ الكريم في معرض اعتراضه على أوصاف الإسلام التي زعمتُ بأنها أبقت على صفائه وحمته من الاندثار بأن تخصيص دين معين بهذه الأوصاف يكذبه الواقع, وأنا أوافق؛ وليس في كلامي ما ينفي هذه الصفات عن غيره ولا أملك أن أطلق حكماً كهذا لمحدودية اطلاعي على غيره من الأديان, ولكني أثبت هذه الأوصاف للإسلام ومن شأنها أن تبقي على صفائه وتمنحه صفة التجدد وتبقيه عصياً على التقادم. ويذكر الأخ العزيز بأن معرفة البعد الأخلاقي للنص الديني, يستلزم معرفة أخلاقية سابقة على النص وهذا صحيح لغير المؤمنين بهذا النص الذين لا يؤمنون بالنص بشكل تسليمي ويحتاجون معه لمعيار يقيس مدى أخلاقية ما يأمر به, أما مجال دراستنا (المجتمعات العربية) وهي مجتمعات مسلمة ترى في النص شيئاً سماوياً يلزم التسليم له والإذعان وإن بدا للعقل المحدود أن ما يأمر به غير أخلاقي. إذ النص هو معيار الأخلاق لا العكس بوصفه تجسيداً للكمال المطلق في كل شيء – عند المؤمنين به على الأقل - .

ناقش الأخ الحبيب ماطرحته على أنه مبادئ عامة لطرح حركات الإسلام السياسي, وهي مبادئ لم أكن أبين فيها رأياً بل كنت أحكيها عن حركات الإسلام السياسي ونقدها مادة دسمة لورقة يمكن أن تطرح في حلقتنا الفكرية, ثم عرج على سمات هذا الخطاب وطرح بعض الإشكالات:

1_ كذلك خطاب ( شعر القلطة) خطاب تبسيطي , وسهل للجمهور .!

هذا صحيح ولذلك له رواج شعبي كبير جداً ولكنه يفتقد هالة القداسة وإلا لكان أكثر اكتساحاً من حركات الإسلام السياسي J

2- هل المعارضة تمثل "المصداقية" دوماً؟! ..

في الوعي الشعبي العربي الذي يعاني من ويلات الأنظمة, في الغالب: نعم.

3- ماذا أضافت هذه الحركات للحداثة من ناحية إيجابية ؟!

كنت أقول بأنها تفاعلت إيجابياً مع الحداثة فاستخدمت الوسائل الحديثة لتحقيق أهدافها وإن بدا في أدبياتها الحذر مشوباً بالرفض.

4- حتى خصوم الحركات الإسلامية من الإسلاميين التقليديين , ينطلقون من صبغة دينية , في مجتمعات لها ذات الصبغة ..! فما الذي يجعل بعضهم حجة على بعض ؟!

ليس بعضهم بحجة على بعض بل كلهم يلقى رواجاً شعبياً لأن خطابه ينطلق من صبغة إسلامية. ولكن حديثنا مقتصر على الخطاب السياسي والمنطلقات الدينية شعبياً مقدمة على المنطلقات العقلية وليس في كلامنا هذا أي أحكام قيمية بل محاولة لتشخيص الواقع لا غير.



أما سؤال الإسلام والسياسة فقد كانت إجابتي واضحة يوم حلقة النقاش وهي مخبأة في ثنايا ما نقلت من كلام عبد الوهاب الأفندي وكيف أن التناول الاجتماعي للظاهرة الدينية ينظر إليها بوصفها داءً يصيب المجتمعات يجب أن نبحث أسباب تفشيه وسبل علاجه, وذلك منطلق من مسلمة: أن لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين, وهذه المسلمة لم تخضع للتدقيق والنقد اللازم, ولذلك واجهت هذه الدراسات معضلة الصحوة بكثير من الذهول إذ كانت هذه النظرة المسبقة تراهن على أن التحديث سيقود إلى العلمنة؛ بينما ترجمت المجتمعات العربية ذلك بصحوة دينية مما يدل على أن الإسلام ليس مصادماً للتحديث, واقتران السياسة بجوهره لا تلبسها جموداً بقدر ما تمنحها بعداً أخلاقياً أدى إلى انتشار الإسلام في قرون شباب دولته.

أخيراً: كيف يجوز لها تقويم وتقديل القيم , ولا يجوز ذلك لغيرها ؟! تحرير العبيد , وزواج الصغيرات , والتفاوت الطبقي , والعرقي , سمات المجتمعات المسلمة ..وهذه قيم تم تقويمها انطلاقا من اعتبارات أخلاقية أكثر من كونها دينية , كتحرير العبيد , الذي قاده أبراهم لينكون ..! وكما ذكرنا سابقا الاعتبار الأخلاقي , سابق (للنص) . وهو الذي حدد أخلاقية ( النص) ..



لم أكن أمنحها حق تقويم القيم الاجتماعية دون غيرها بل كنت أحاول إيجاد مقارنة بينها وبين منظمات المجتمع المدني من حيث كونها تضع قيم المجتمع على طاولة البحث, وتمارس في حدودها المشروعة التغيير في المجتمع, أما أسبقية الأخلاق على النص فأختلف معك في ذلك وهو موضوع مهم يمكن أن يخصص له ورقة مستقلة.

مع شكري وتقديري

عبد الله

----------



الضحيان : لا خلاف كبير بيننا يا دكتور الحميدي



قرأت تعقيب الدكتور الفاضل الحميدي وأنا مغتبط بهذا الحوار ومسرور جدا به ، واكتشفت ألا خلاف كبير بيني وبينه على الحقيقة ؛ إذ اتضح أنه لا يخالف في تقديم النص في أمور العبادة المحضة ، وأن الالتباس الذي وقع من فهمي أنا ؛ إذ قال : ((كذلك ما هو ( قطعي ( حينما يستدل به في سياق "ظرفي" , يفقد ( قطعيته) ليكون "ظنياً) ..وما يدخل في السياق (الظرفي) ليس من قبيل العبادات , وإنما من قبيل المعاملات , وهذه قرينة في غاية الوضوح )) .



واتضح أيضا أن غالب الخلاف بيني وبينه إنما هو خلاف غير حقيقي ، وإنما هو في جهتي الكلام مني ومنه ، إذ هو يتحدث عن الإثبات العقلي ابتداء حيث قال : ((..كما لا ينفي أن مصدر التسليم ب(القطعيات) هو لثبوت مصدرها الإلهي بالعقل , الذي اثبت عصمة (النص) , و ( النبي) الحامل له )) ، وأنا أتفق معه إجمالا إلا أن ثمة نقطتينبقي فيخا الخلاف وهما :

أولا : تحدث أخونا د الحميدي عن أن طريق معرفة الأصول ( الله / الرسول / المعاد / الرسالة وأركانها ) إنما تكون بالعقل ، لأنها لو كانت بالنص لكانت مصادرة على المطلوب ، قلت : نعم أتفق معه على أن إثبات وجود الله ابتداء إنما يكون بالعقل ، ثم إثبات حاجة البشرية لرسول ولرسالة ومعرفة إنما يكون بالعقل أيضا ،

لكن تعيين شخص الرسول ، والرسالة وأركانها لا يمكن أن يكون بالعقل ؛ لأن العقل يجوِّز أن تكون الرسالة لأي شخص وبأي صفة ، وبأية أركان ؛ وإنما يكون بدليل من خارج العقل فتعيين الرسول يكون بمعجزات حسية خارقة ، أو بإخبارعن مغيبات ، وكلها أمور غير خاضعة للعقل. ( طبعا سيقول الدكتور كيف نعرف أنها معجزات أو أخبار غيبية إلا بالعقل ؟ ، طبعا هذه المعرفة لا تسمى عقلية لأن ما تسمى معرفة عقلية لابد أن يكون العقل مستقلا بها أي خارجه منه ومن تفكيره لكن إدراك الحسيات وغيرها تظل دليلا حسيا لا عقليا كما نص على ذلك الفلاسفة فمعرفة أن النار حارة محرقة ليست معرفة عقلية بل حسية ، وروية ثعبان موسى وإدراك أنه معجر أمر حسي مشاهد بالعين )

وتعيين أركان الدين لا يكون إلا بالنص فقط بعد تحقق الإيمان بالله المرسل ، والنبي المرسل ( لكن تعيين دلالة النص أمر عقلي كما سيأتي لا حقا في ( ثانيا ) )

هذا من حيث إثبات أصل الإيمان فإذا ثبتت الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم هنا يطرح السؤال : هل يقدم العقل على النص الذي جاء به الدين أو يقدم النص على العقل؟

وهي المسألة التي اشتهرت في التاريخ الإسلامي في علم الكلام ، بين المتكلمين من المعتزلة و الأشاعرة من جانب ، والحنابلة وأهل الحديث من جانب آخر ، حيث يبدأ الكلام فيها من فكرة ( أول واجب على العباد ) ، ففرق المسلمين مجمعون على أن أول واجب هو ( الشهادتين ) لكن يختلفون في طريقة معرفتها فأهل الحديث والحنابلة يقولون معرفتهما عن طريق النصوص الشرعية والفطرة ، والمتكلمون من الأشاعرة والمعتزلة تكاد كلمتهم تجمع على أن أول واجب على العباد المكلفين هو ( النظر ) يقصدون بذلك النظر في الأدلة العقلية، ، وقال بعضهم القصد الى النظر وقال آخرون منهم إرادة النظر وقال بعضهم اعتقاد وجوب النظر ، ولبعضهم كلام طريف سبق به ديكارت إذ يرى أ أول واجب هو الشك في النظر ، وأذكر أننا أيام الطلب حفظنا قول السفاريني في منظومته ( وأول واجب على العبيد ... معرفة الإله بالتسديد ) وكان مشايخنا يعيبون على السفاريني قوله ( بالتسديد ) ؛ لأن محصله البحث في الأدلة العقلية ويبدلون كلمة ( التسديد ) بـ( التوحيد ) ، ومن وجهة نظري أن الخلاف في هذه المسألة هين ويسير، وأن الأمر راجع للمكلف ومدى يقينه وإدراكه ومعرفته .



ثانيا : لاحظت على الدكتور العزيز أنه في محاورته وفي نقده لكلام ابن تيمية ظل يتحدث عن عمل العقل في النظر بدلالة النص لا بالاحتجاج به في مقابلة العقل ، ولا أحد يعارض الدكتور في هذا ؛ إذ لا شك ولا ريب أن العقل مناط التكليف ، وعمل الفقيه كله هو عملية عقلية وبهذا الاعتبار ، فإن إدراك دلالة النصوص الشرعية عمل عقلي لا أحد ينازع فيه ؛ إذ من لا عقل له ليس بمكلف أصلا فضلا عن أن يكون مجتهدا ، والنص من دون إعمال العقل فيه صامت غير ناطق ، فاستشهاد الفقيه مثلا بالنص المنقول على وجوب الصلاة هو عمل عقلي إذ معرفة دلالة النص على الحكم هو دلالة عقلية ، وقد وجدت أخينا الدكتور الحميدي في رؤيته لتقديم العقل على النص ينطلق من هذه الرؤية ، ولا أحد يخالف الدكتور في هذا إطلاقا .

وقد اتفق الأصوليون على أن ( القطعية ) في النصوص لها جهتان

الجهة الأولى : قطعية الثبوت

الجهة الثانية : قطعية الدلالة

فالنصوص بالنظر إلى ذلك لها أربع صور :

1- نص قطعي الدلالة قطعي الثبوت كقوله تعالى ( محمد رسول الله )

2- نص قطعي الثبوت ظني الدلالة كقوله تعالى : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهم ثلاثة قروء )؛ فهو قطعي الثبوت إذ هو من القرآن، لكن دلالته ظنية إذ دلالة القرء مختلف فيها بين الحيض والطهر .

3- نص قطعي الدلالة ظني الثبوت كقوله صلى لله عليه وسلم (( إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا )) إذ دلالة الحديث ومعناه واضح قطعي الدلالة على المراد لكن الحديث غير ثابت ، ولو ثبت فهو غير متواتر .

4- نص ظني الثبوت ظني الدلالة كقول الرسول (( لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب )) ، إذ الحديث ليس متواترا ، ومعناه غير قطعي إذ يحتمل نفي الصحة ، ونفي الكمال .

ولا يسمى النص قطعيا إلا إذا توفرت فيه جهتا القطعية ( الثبوت و الدلالة ) ، نستخلص من كل هذا أنه لا أحد يخالفك في أن تحقيق دلالة الحديث هل هي ظنية أو قطعية ؟ إنما هي عملية عقلية من إعمال عقل الفقيه ، وليس هذا محل إشكال فهذا متفق عليه لا يخالفك فيه لا حنبلي ولا غيره . لكن الإشكال هنا الذي يجب أن يبحث هو : إذا ثبت قطعية دلالة النص على معنى من المعاني مثل قوله تعالى (( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )) ، - فهذه الآية قطعية الثبوت وقطعية الدلالة - ثم عارض تلك الدلالة العقل كأن يرى أحد الفقهاء أن العقل اليوم يرجح ترك القطع لمصلحة يراها ، فهنا أيهما نقدم : دلالة الآية القطعية أو دلالة العقل ؟



إلا إن كنت ترى أن دلالة مثل هذه الآية على ( القطع ) ليست قطعية بل ظنية لأن عمل الفقيه اجتهاد في معرفة الدلالة ، أي أنك تخالف إجماع الصحابة وفعل الرسول وإجماع فقهاء كل المذاهب في تلك الدلالة ، وترى إجماعهم على معناها ليس دليلا على قطعيته ، وهنا يرد إشكال آخر وهو ما ضابط الدلالة التي يؤخذ بها ؛ هل مجرد المعنى اللغوي ؟ فـ( القطع ) في اللغة من معانيه ( الترك ) فيكون معناها فاتركوا أيدهما

ثم على القول بالمعنى اللغوي هل يخضع المعنى لتغير الظروف فما كان دالا في القديم اليوم يمكن تجاوزه إلى معنى جديد ؟

، أو أن ضابط القطعية إجماع فهم الصحابة المعاصرين لوقت تنزيل النص والمخالطين لصاحب الرسالة ؟

وإذا أخذ برأيك - إن كنت تقول إنها ليست دلالة قطعية - فمعنى هذا جواز أن يقال إن دلالة النص على ركنية الصلاة والصوم والحج ليست قطعية بل ظنية ، لأن الحجة التي جوزنا بها رد دلالة قطعية النص على القطع في السرقة موجودة في دلالة النص على الزكاة والصلاة والحج ، والتفريق بينها تحكم غير علمي إطلاقا ، ومحصل هذا أن القطعية لا ضابط لها .

نعم يبقى الخروج من كل هذه الفذلكة والمتاهة أن يقال إن دلالتها على قطع اليد قطعية لكن لوجود مصلحة ما اليوم لا يفعَّل الحكم ، لأن أحكام المعاملات معلق على المصلحة فهذا القول - مع ما فيه - أهون من إلغاء الدلالة القطعية لأنها تؤصل لمنهج قوضوي وغير علمي إطلاقا في التعامل مع النصوص



ملحوظة مهمة

قانون تقديم العقل على النقل لدى المتكلمين إنما هو في نصوص الأخبار لا الأحكام ، أي النصوص التي تتحدث عن الله وصفاته ، والأنبياء والجن والملائكة ، والقصص والوقائع ، فالرازي طرح قانونا وهو : إذا تعارض العقل مع النقل قدم العقل ، إذ العقل أصل النقل فلو قدمناه عليه كان ذلك قدحا في العقل الذي هو أصل النقل والقدح في أصل الشيء قدح فيه فكان تقديم النقل قدحا في النقل والعقل جميعا فوجب تقديم العقل ثم النقل إما أن يؤول أو يفوض .

وابن تيمية له قانون آخر سبق أن أوردته في تعقيبي الأول

أما في مجال الأحكام فنجد أن الرازي صاحب القانون المذكور آنفا يرتب الأدلة في كتابه المحصول كما يصنع أهل الحديث ، ويقرر أنه لا يصار إلى القياس والاستصحاب وغيرها من الأدلة العقيلة إلا إذا عدم النقل .

ولم يطرح في التاريخ الإسلامي – فيما أعلم – رؤية متكاملة لتقديم العقل على النص في الأحكام ، وإنما كانت ممارسات من فقهاء مدرسة أهل الرأي وليس تقعيدا متكاملا ، وبعض الباحثين يعزو ذلك لقلة تمكن أهل الرأي من الحديث ، وعلى كل الأمر يحتاج إلى دراسة موسعة متزنة

أخيرا أشكر الصديق المبدع الحميدي على تعقيباته الثرية ، وعلى إثارته لمثل هذا الموضوع الثري .



د سليمان الضحيان

أنتهى الحوار ..




الثلاثاء، 8 يونيو 2010

مباحثة فكرية حول مفهوم الليبرالية

هذه مباحثة فكرية مع الزميل المثقف الجميل / إبراهيم السدرة , وهي امتداد لحوارنا حول كتاب ( السلفية والليبرالية ) للزميل الفاضل الدكتور / عبدالله البريدي , في نادي القصيم الأدبي , في مجموعة فكر ..

وسيكون كلام الزميل باللون الأسود , وكلامي باللون الأزرق ..

الحوار :

قد يستغرب البعض من القول إن السلفية هي وجه من وجوه الليبرالية , كما قد يستغرب البعض من القول إن بالإمكان أن يـُجمع بين الليبرالية والسلفية , في الوقت الذي يعتبرهما الكثيرون نقيضين لبعضهما تماماً .نعم , لا يمكن إنكار أن هناك عداء مستحكم وظاهر للعيان على أرض الواقع بين الليبراليين والسلفيين , ولكن السؤال :
هل الليبرالية ليبرالية واحدة أم ليبراليات ؟
وهل السلفية سلفية واحدة أم سلفيات ؟

إن المنهج العام للسلفية – بحسب علمي - قائم على التحرر من قيود المذهبية وأقوال العلماء غير المعصومين والتجرد للدليل أو النص فقط .
فالسلفي مع الدليل حيثما مال يميل ( أو هكذا يـُفترض منه ) .

وهذه السلفية هي في الحقيقة نوع أو وجه من وجوه الليبرالية , إذ أن الليبرالية ليست واحدة وليس لها تعريف واحد متفق عليه , بل هي مصطلح هلامي مطاط يمكن أن يتمدد حتى يصل إلى نفي الدين وعدم الاعتراف به كما يمكن أن ينكمش ليتناغم مع أخلاق وقيم المجتمع التي يتبناها , وكلها ليبرالية بحسب التعريف الذي اعتمده موقع الويكيبيديا لليبرالية ! :

" الليبرالية (liberalism ) اشتقت كلمة ليبرالية من ليبر liber وهي كلمة لاتينية تعني الحر . الليبرالية حاليا مذهب أو حركة وعي اجتماعي سياسي داخل المجتمع ، تهدف لتحرير الإنسان كفرد وكجماعة من القيود السلطوية الثلاثة ( السياسية والاقتصادية والثقافية ) ، وقد تتحرك وفق أخلاق وقيم المجتمع الذي يتبناها . تتكيف الليبرالية حسب ظروف كل مجتمع ، وتختلف من مجتمع غربي متحرر إلى مجتمع شرقي محافظ . " انتهى

وبما أن الليبرالية يمكن أن تتحرك وفق أخلاق وقيم المجتمع الذي نعيش فيه والمجتمع الذي نعيش فيه هو مجتمع إسلامي , فعليه أستطيع أن أقول :
أنا سلفي إذن أنا ليبرالي !

طبعاً هناك من قد لا يؤمن بهذا تمام الإيمان , ليس لأن السلفية ليست ليبرالية بل هي ليبرالية بحسب التعريف السابق لليبرالية , ولكن لأنه يعتقد أن حقيقة الليبرالية تعني التحرر أو الحرية المطلقة التي تقف عند حدود حريات الآخرين , وبالتالي فهي تتعارض مع الإسلام أساساً ولا يمكن أن تجتمع ليبرالية حقيقية مع الإسلام .

فالليبرالية ببساطة تعني التحرر , بينما الإسلام ببساطة يعني الاستسلام .
والأول يتعارض بل يتناقض مع الآخر , فكيف تكون ليبرالياً مسلماً ؟!

ولكن لأننا نعيش أزمة مصطلحات وموضة تيارات وأيديولوجيات , فلا بأس أن نساير الموضة ونقول إن السلفية = الليبرالية .

إبراهيم السدرة

-----

الأخ الكريم إبراهيم السدرة , شكرا لك على إثارة الموضوع ..والذي لم يأخذ حقه , من البحث والمناقشة ..وكان هذا أمر وارد نتيجة لضيق الوقت , ولكثرة المحاور التي تحتاج إلى توضيح , وبيان بعض الإشكاليات الواردة عليها ..ولعل هذه من بركات زميلنا وأستاذنا الفاضل الدكتور عبدالله البريدي ..فلولا ذهنه الوقاد , وقلمه الغيداق ..ما كان للحوار أن يكون مثريا , ولا حامياً ..والحقيقة أن الدكتور عبدالله البريدي وقع في بعض المغالطات _ في ظني_ ..وهي كالتالي :
1- الانشغال بدلالة المصطلح , دون البحث عن ماهية , وفلسفة المدلول ..وقد ذكرت أن المصطلحات لاحقة على مدلولاتها , فلم يتم تعريف التنوير في الغرب , ثم على ضوء التعريف أتت الحركة التنويرية ..كذلك لم يتم تقرير قواعد اللغة , ثم قامت اللغة بعد ذلك على هذه القواعد ..وكذلك علوم مصطلح الحديث , أصطلح عليها بعد ممارسة التحديث , وبالتالي المصلح هو إفراز لحركة الفكرة , أو المدلول , وعلاقتها ( الديالكتيكة /الجدلية) مع الواقع ..بحيث يفرز الواقع / الفكر مصطلحه ..وهذه إشكالية بعض الليبراليين , الذين يحاولون تطبيع ( مصطلح الليبرالية) قبل ( تطبيع مفاهيمهما) , وهذا مثل وضع العربة أمام الحصان ..وهو ما يفعله خصوم الليبرالية كذلك , من الانشغال بالدال دون المدلول ..
2- كنت سألت الدكتور البريدي : إذا كان تعريف الليبرالية تعريف عائم , ولم تستطع إدراك كنه هذا المصطلح , فكيف نقدته , وحاكمته ؟! وهل يحاكم الشخص ما يجهل ؟! لا سيما أن الحكم على الشيء فرع من تصوره ..كيف إذا كان ( تصور) ذلك الشيء غائباً ؟! ورد الدكتور بمثال : من يجد في طريقه شيء يقلقه , ثم يتجاوزه ..لأنه لا يعرفه !! ..وهذا الكلام يقبل : لو أعرض عن نقد "الليبرالية" لأنها كذلك الشيء المجهول في طريقه , لكن أن يتعرض لها بالنقد , ويستشهد ببعض من ينتسبون إليها , ثم يقول : ومع ذلك لا أعرف ما هي ..فهذه مغالطة ! ..لا سيما أنه يستدل بكلام المسيري : إذا فقدنا الأسماء فقدنا المسميات _ أو نحو ذلك_ وطالما الدكتور يقرر أنه فقد ( الأسم /المصطلح) فكيف يجوز له محاكمة (مسماه /مدلوله) الذي يتلازم تلازم ضروريا وجودا وعدما مع ( أسمه / داله) ؟! ..فيكون فقد أحدهما فقد للآخر ((بالضرورة)) ؟!
3- استغرب الدكتور ممن ينقد (النص) وهو لا يفرق بين الحديث الصحيح والحديث الضعيف ..وهذه مما تسمى مغالطة ( رجل القش) , مثل أن يقول شخص للدكتور : كيف تتحدث عن السلفية ونقدها , وأنت متخصص بالإدارة ؟! فليس من لوازم نقد "النص" العلم بالحديث , والجويني والغزالي من كبار علماء الأصول , وكانوا من (أجهل ) الناس بالحديث ..فالعبرة بالأداة المنهجية التي تستخدمها في ممارسة النقد ..لا في مصطلحات المحدثين , التي هي جهد بشري , وليست نصا مقدسا , يلزم القارئ الليبرالي بإطاره ..مع أن الليبرالي لا يلتزم إلا بإطار العقل ..أو هكذا يجب ..
4- الرجل البسيط , الذي يضع في بيته دش , أو يبتعث أبناءه , أو يكتتب في شركة محرمة ..هو يمارس (سلوك ليبرالي /حر) دون أن يدرك دلالة المصطلح لمعنى ( الليبرالية) ..والليبرالية لا يختلف أحد على أنها هي ( التحرر) إلا من سلطة القانون ..ولا يعني أن يكره الإنسان القانون لأنه يقيد مطلق حريته , أن هذا يبطل "الليبرالية" أو "القانون" ..فحتى من يسرق له قريب , "يكره" أن تقطع يده ..مع إقراره أنه حكم الله ..فلا يعيب الليبرالي كراهيته للقانون الذي يقيد حريته , وإنما يكفي منه احترامه له ..ولهذا أقول أن الممارسات , هي القيمة الحقيقة لأي فكرة , لا المشاحة في دلالة مصطلح ذات الفكرة ..

5- الليبرالية إن كان ثمة خلاف في بعض مدارسها إلا أنها تتفق على التحرر , واحترام الآخر ..وهذه قيم كونية , ولكن مأسستها هو المنتج "الليبرالي" , ولهذا لا يصح أن تؤمن بهذه القيم وتقول أنا : إسلامي ليبرالي ..لأن الإسلامي يقبل الشيء وضده ..فمن يستحل دمك , لأنك تختلف معه هو ( إسلامي) , ومن يحرم الانتخابات والمظاهرات , وفصل السلطات هو ( إسلامي). ومن يصادر حقك في التعبير هو ( إسلامي) ..بينما لا يمكن أن يوجد ليبرالي في العالم يفعل ذلك ..بمجرد أن ينقض الليبرالي أي شكل من أشكال ممارسة الحرية , فقد انتهى تماما , ولم يعد ليبراليا بحال ..بينما يمكن للإسلامي أن ينقض هذه الأمور ويبقى إسلامي .!
6_ الحرية في التاريخ الإسلامي , لم تتم فلسفتها كما حدث في الفكر "الليبرالي" , فهي تعني في الفكر الإسلامي الضد من المملوك , لكن الحقوق الليبرالية التي تستلزمها حرية الفرد ..هي غائبة تماما عن الأدبيات الإسلامية ..ومن المؤسف , أن حتى الفلاسفة من المسلمين كالفارابي , وأبن رشد ..لم يخرجوا من الصورة النمطية لمفهوم الحرية ..لأنهما امتداد لأرسطو , وأفلاطون ,,وهما من أعداء الحرية , كما ذكر بوبر في ( المجتمع المفتوح وأعداؤه) .. وبالتالي الحرية , بمفهومها الفلسفي المعاصر , هي منتج ليبرالي أصيل ..ولهذا حينما تقول لي أنا : إسلامي ..سيبقى الإشكال قائما : هل أنت إسلامي خارجي , تستحل دمي لمجرد الخلاف معك ؟! أم إسلامي سلطاني ؟! أم إسلامي تنويري ؟! أم ماذا ؟! ..بينما حينما تقول لي أنك : ليبرالي ..فسأدرك تماما أنك من يعلي من قيمة الحرية , ويحترم الآخر .إذ لا خلاف البتة حول هذه الأدبيات والأسس في الفكر الليبرالي ..

7_ استزرع وبث هذه القيم الإنسانية من حرية وعدالة , يمكن أن يتوسل "بالإسلام" كنص خام ..لا لأن هذا النص هو الأساس المعرفي /الإبستمولوجي لهذه القيم ..لان النص يقبل الشيء وضده ..والصحابة قتل بعضهم بعض انطلاقا من ذات النص , فهو نص يحتمل قراءات متضادة ومتعددة ..وأي محاولة لشرعنة هذه القيم انطلاقا من "النص" ستجد قراءة مضادة , تتوسل بالنص , وهي قراءة لها تباع كثر , كنتيجة لضمور وتدني الوعي والفكر السياسي في التاريخ الإسلامي ..ولكن التوسل بالنص , من باب حيلة المضطر ركوب هذا الاضطرار .! وإلا أصل اختبار القيم , هو الضمير , والعقل الضروري , والتحسين والتقبيح العقلي , وكذلك معطيات الواقع ..واكتشاف العلاقة الطردية بين نمو المجتمعات , مع نماء الحرية والعدالة , والشعور باستقلالية الفرد , ومؤسسات دولته ..
8_ المنهج السلفي كيف يقرأ النص ؟! أبن تيمية ينقل عن أحمد , أنه من الضلال العودة إلى "النص" مباشرة , وإنما انطلاقا من فهم التابعين ..ورجح أبن تيمية هذا القول ..قراءتك للنص , تقوم على أي معيار ؟! ما هي الأسس التي تقوم عليها هذه القراءة ؟! ..إذا كانت قراءة جديدة , فمن المغالطة وصفها "بالسلفية" ..فهذا تناقض لفظي وفكري واضح ..أما إذا كانت قراءة بعيون السلف , وحسب فهمهم ..فما الإبداع والجديد الذي تقدمه ؟!

الخلاصة : الليبراليون يختلفون ببعض الجزئيات , ولكن أساس الحرية لا خلاف حوله ..و المصطلح نتاج جدلية الواقع والفكرة ..فلا يبدأ منه , وإنما ينتهى إليه كعادة كل المصطلحات في العلم ..السلفية ضد التجديد , كما أن الليبرالية لم تتعرض إلى أي مشروع تنويري بالإجهاض , أو بالمحاربة ..وهذا أمر واقع ومشاهد , حتى بين عامة الناس ..الليبرالية آلية تنتظم بها قيم عالمية ..النص يقبل القيمة ويرفضها ..طالما أنه نص معجز , وتتناوله أفهام مختلفة..تجيير القيم الليبرالية لتوجه إسلامي هو ما يسمى في المنطق : ( مغالطة قطف الكرز cherry- picking fallacy) ..

مع كل الحب / الحميدي ..

-------

أهلاً وسهلاً بك أخي الدكتور الحميدي

دعنا نختلف قليلاً

أولاً :

أتفق معك تماماً في مبدأ أسبقية المدلول على المصطلح , أما محاولة بعض الليبراليين تطبيع ( مصطلح ) الليبرالية قبل تطبيع ( مفاهيم ) الليبرالية فهي تؤكد ما قلتـُه سابقاً بأننا نعيش أزمة تيارات وموضة مصطلحات !
حيث انشغل واشتغل الكثيرون على تسويق المصطلح دون المفهوم , بل أصبح مجرد الانتساب ( للمصطلح ) مفخرة عند البعض ومنقصة عند البعض الآخر وكلا الطرفين غير واعيين ( بالمفهوم ) وبعيدين جداً عن التطبيق .

ثانياً :
بالنسبة لنقد النص , فمن لوازمه العلم بالحديث رواية ً ودراية ً لأن العلم بذلك هو من الأدوات المنهجية لممارسة النقد إذ كيف ينقد المرء شيئاً يجهله ( كما تنتقد الدكتور البريدي ) .
كذلك هناك لوازم أخرى لنقد النص من أهمها العلم باللغة العربية ( لغة النص ) من أجل فهم النص بشكل صحيح , والعلم بمقاصد الشريعة ( روح الدين الذي ينبثق منه النص ) وكذلك العلم ببقية النصوص إجمالاً ليس من باب تعطيل العقل وربطه بالنصوص فقط ولكن من أجل ألا يتم نقد نص ربما يكون هناك نص آخر يوضحه ويجليه ( كما في كثير من النصوص ) أو يلغيه ( كما يحدث في نسخ الحكم ) أو يكمـّله ( كما في مسألة إرث الذكر والأنثى ) .
فمثلاً : قد يأتي أحدهم ( ليبرالياً كان أو غيره ) فينقد النص الشرعي بخصوص ميراث الذكر والأنثى وأن للذكر مثل حظ الأنثيين وأن هذا ليس فيه مساواة وأن فيه ظلم للأنثى بل ويتعارض مع مقاصد الشريعة وو... إلخ , بينما لو علم بأن هناك نص آخر يـُلزم الرجل بالنفقة على الأنثى ولا يـُلزم الأنثى بالنفقة على الرجل , لربما تغيـّر حكمه كلياً أو جزئياً .

ثالثاً :

تقول : " والليبرالية لا يختلف أحد على أنها هي ( التحرر) إلا من سلطة القانون "

فعن أي قانون تتحدث , وعن أي تحرر تتحدث ؟!
وهل هذا يشمل جميع القوانين والتشريعات , أم أنه خاص بقانون دون قانون ؟!
إذ ما رأيك لو كان هذا القانون شيوعي أو إسلامي متطرف ؟!
هل سيستثنيه الليبرالي من التحرر , أم سيحاول التحرر منه ؟!

هذه إشكالية ينبغي تجليتها لنعرف ماهية الليبرالية وما الذي يفرّقها عن غيرها كالسلفية مثلاً , إذ يستطيع أي أحد أن يقول لك إن السلفية هي ( التحرر ) إلا من سلطة القانون . فكيف يمكن التفريق بين السلفية والليبرالية حينئذ ؟!

إذن لابد من تحرير مصطلح ( التحرر ) , وكذلك تحرير ماهية القانون الذي يـُلزَم الليبرالي على اتباعه والخضوع له وعدم ( التحرر ) منه .

كذلك قد يقال لك إن السلفية أكثر تحرراً من الليبرالية إذ هي أحياناً تتحرر حتى من سلطة القانون لتحاول تغييره وتشكيله من جديد . فهل يمكن القول إن السلفية أكثر " تحرراً " من الليبرالية ؟!
نحن بحاجة إلى فكفكة تعريف الليبرالية الذي " جزمت " بأنه لاأحد يختلف عليه !

رابعاً :

تقول في معرض مقارنتك بين الإسلامي والليبرالي كممارسة وليس كمفهوم ( وأنت هنا بدأت في الحديث عن الممارسات وليس عن المفاهيم ) :
" الليبرالية إن كان ثمة خلاف في بعض مدارسها إلا أنها تتفق على التحرر , واحترام الآخر "

فأي تحرر هذا الذي اتفقت عليه الليبرالية ؟!

هل اتفقت الليبرالية على أن أي تحرر – أياً كانت ماهيته - يـُعتبر ليبرالية ؟!

هل السلفية – مثلاً – حين تتحرر من قيود المذهبية وتلتزم بالنص ( الذي يمكن اعتباره قانوناً ) تـُعتبر مدرسة من مدارس الليبرالية ؟!

" لا يصح أن تؤمن بهذه القيم وتقول أنا : إسلامي ليبرالي ..لأن الإسلامي يقبل الشيء وضده ..فمن يستحل دمك , لأنك تختلف معه هو ( إسلامي) , ومن يحرم الانتخابات والمظاهرات , وفصل السلطات هو ( إسلامي). ومن يصادر حقك في التعبير هو ( إسلامي) ..بينما لا يمكن أن يوجد ليبرالي في العالم يفعل ذلك "

كيف جزمت بأنه لا يمكن أن يوجد ليبرالي في العالم يفعل ذلك ؟!

طيب :
لو قام شخص ما وحاول ( التحرر ) من سلطة قانون من القوانين ( ولنفترض أنه قانون يمنع المظاهرات مثلاً ) وحاول تغييره أو إلغاءه بالطرق السلمية ثم قام شخص آخر ومنعه من ذلك التزاماً منه بتعريف الليبرالية الذي تفضلت به آنفاً وهو أن الليبرالية هي التحرر إلا من سلطة القانون ( وسلطة القانون هنا تقول إن المظاهرات ممنوعة ) ثم جاءنا شخص ثالث ليعطينا حكماً فيقول لنا إن كلا الشخصين لا يمثلان الليبرالية وليسا من الليبراليين , فهل ننفي عن هؤلاء الأشخاص الثلاثة أو أحدهم صفة الليبرالية بناءً على كلامك أنه لا يمكن أن يوجد ليبرالي في العالم يفعل شيئاً من تلك الأفعال التي يفعلها الإسلامي ؟!

بمجرد أن ينقض الليبرالي أي شكل من أشكال ممارسة الحرية , فقد انتهى تماما , ولم يعد ليبراليا بحال ..بينما يمكن للإسلامي أن ينقض هذه الأمور ويبقى إسلامي .!

أتدري لماذا ؟

لأن الدائرة الإسلامية أكبر وأوسع من دائرة الليبرالية , ولهذا فإن من الطبيعي أن يدخل الشيء ونقيضه ضمن دائرة كبيرة الحجم .

كذلك الدائرة الإسلامية ترتكز على نصوص ولهذا فإن من الطبيعي أن يختلف الناس في فهم هذه النصوص , تماماً كما يحدث في تفسير القوانين الوضعية عندما يختلف القضاة والمحامون وغيرهم حول مفاهيم ومعاني هذه الفقرة القانونية أو تلك , بخلاف الليبرالية التي لا تستند إلى نصوص بل إلى مبدأ مجرد ربما لم يتم تحريره وتقنينه عند بعض منتسبيها !

إذن مجرد مقارنتك الليبرالية ( الخالية من النصوص ) بالإسلام ( المرتكز على النص ) هي مقارنة غير عادلة .

ولهذا لو قام مجموعة من القضاة الليبراليون وحكموا على شخص من الأشخاص بأنه يستحق عقوبة من العقوبات بناءً على مخالفته لقانون معين , فهل يمكن القول بأنهم صادروا الحرية وبالتالي لم يعودوا ليبراليين ؟!

أم أنه سيقال إنهم يطبقون القانون ولا علاقة لتطبيق القانون بالليبرالية ؟

إن قيل هذا , فماذا نقول للإسلامي الذي يقول إنه يحرّم المظاهرات تطبيقاً للقانون ( الذي هو النص عنده ) ؟!

هذا أمر .

الأمر الآخر : ما هو الفرق بين حكم الليبرالي على أي عمل بأنه يتنافى مع الليبرالية , وحكم الإسلامي على أي عمل بأنه يتنافى مع الإسلام ( والذي يـُعرف بالتكفير ) ؟!

ألا يمكن اعتبار حكم الليبرالي على أي عمل بأنه يتنافى مع الليبرالية هو نوع من المصادرة إذا نظرنا إليه بنفس المعيار الذي نحكم به على فعل الإسلامي حينما يحكم على أي عمل بأنه كفر يتنافى مع الإسلام ؟!

خامساً :

للنص دور في اختبار القيم ولا يمكن إلغاءه كلياً , وفي نفس الوقت لا يمكن الاعتماد عليه وحده في اختبار القيم بل ولا حتى البدء به .
إنما الدور الرئيسي للنص ينحصر في رفض القيمة وليس في قبولها ابتداءً .

سادساً :

المنهج السلفي في الفقه قائم أساساً على الارتباط بالدليل أو النص المعصوم وليس بأقوال غير المعصومين سواءً كانوا من التابعين أو غيرهم .

هذا هو المنهج السلفي في الفقه أما الارتباط بفهم السلف للنص فهذا قد يكون في العقيدة وفي بعض جوانبها تحديداً وليس في الفقه .

وعليه فلا بأس أن تكون هناك قراءة جديدة وتوصف بالسلفية إذ أن السلفية كمصطلح مرتبطة بالرجوع إلى النص وليس إلى فهم السالفين .

ولو أردنا أن نتقيد بالمفهوم الشكلي لليبرالية – كما فعلت مع السلفية – لقلنا إن إلزام الليبرالية لمنتسبيها بالخضوع للقوانين والالتزام بها هو تناقض لفظي وفكري واضح إذ كيف يكون ثـَمة ليبرالية وهي تمنعني من ( التحرر ) من سلطة القانون ؟!

الخلاصة :
أرجو تعريف وتحديد ماهية الليبرالية عند الليبراليين أنفسهم لأني مازلتُ أراها شبه مطاطة عندهم !

ويا حبذا لو تم استخلاص التساؤلات أعلاه ومن ثم الإجابة عليها فضلاً لا أمراً .

أعتذر لك أخي الحميدي وللجميع على الإطالة ( التي لا أحبها ) ,,

وللجميع تحياتي ,,

إبراهيم السدرة

--------

أهلا وسهلا بك أخ إبراهيم ,,,

تقول : (أتفق معك تماماً في مبدأ أسبقية المدلول على المصطلح , أما محاولة بعض الليبراليين تطبيع ( مصطلح ) الليبرالية قبل تطبيع ( مفاهيم ) الليبرالية فهي تؤكد ما قلتـُه سابقاً بأننا نعيش أزمة تيارات وموضة مصطلحات ! ) ..

المفاهيم "التحررية" موجودة بالمجتمع , كما سبق وبينت , عن طريق كثير من الممارسات التي تتجاوز الرقابة الدينية , ومرجعية السائد العام ..ولكن وضع هذه الممارسات في نسق "فلسفي" و "فكري" والبحث عن مشتركاته, وودوافعه , وترابطه ..هو المبحث الذي يجب أن يكون الأهم بالنسبة لليبرالي ..وقد بينت أن الإشكالية تكمن في خصوم الليبرالية , فأنت حينما تخالف شخص , في فكرة دينية , أو اجتماعية معينة , حتى توصف بأنك ( ليبرالي) , مع أنك قد لا تكون مؤمن بقيم الليبرالية ..ولكن معنى "الليبرالية" في العقل الجمعي (المحلي) هو الذي يقول ما لم يُعتد عليه , أو يطرح المسائل الشائكة ..ولهذا مصلح الليبرالية لا يختلف حوله الليبراليون الحقيقيون فلو سألت البليهي , والدخيل , والمحمود عن (الليبرالية) لما وجدت خلافا في تعريفهم لها ..وإنما الإشكال في كلام الخصوم ..ومحاولة طلب التعريف , ودلالة المصطلح من الخصم , الذي لا يعرف حتى المصطلح على حقيقته ..وإنما يحاكم المصطلح إنطاقا من تصوره الخاص , وهو تصور لا يلزم إلا صاحبه ..وهؤلاء هم من يعيشون على المصلح وأزمته ..فقد ذكرت أن قيمة "المصطلح" في تطبيقاته ..والتعاطي مع المفاهيم لا بد أن يكون تعاطيا برقماتيا , يكشف ماصدقية هذا المصطلح وغيره ..

تقول : (حيث انشغل واشتغل الكثيرون على تسويق المصطلح دون المفهوم , بل أصبح مجرد الانتساب ( للمصطلح ) مفخرة عند البعض ومنقصة عند البعض الآخر وكلا الطرفين غير واعيين ( بالمفهوم ) وبعيدين جداً عن التطبيق . )

من تولى كبر , التسويق للمصلح هم خصوم الليبرالية , وبعض أدعياءها ..وإلا الليبرالي الجاد ..لا يهتم بالمصطلح أو الدال قدر اهتمامه بالمدلول ..فهو القيمة , والتطبيق لهذا المفهوم ..لا مجرد المواضعة الاصطلاحية له ..أما كونه مفخرة عند البعض : ( فكلنا عيال قريّة , وكلن يعرف أخيّه) لم يوجد ليبرالي واحد وقف في وجه أي مشروع نهضوي وتنموي ..بينما هل ثمة أي "سلفي" قاد مشروع نهضة وتطوير ؟! أم أن السلفي دائما يتبنى موقف ( الممانعة الفكرية) أمام كل جديد , ثم بعد سنوات , تسقط ممانعته , ومقاومته ..ليقبل هذا الجديد ك( حقيقة مسلمة) ؟! ..هذه الهشاشة الفكرية والممانعة السطحية ..هي التي تجعل الانتساب لهكذا فكر أمر معيب , لا سيما حينما يجمع مع الرجعية والتخلف , تبني العنف كخيار أوحد لمعالجة الواقع ..بينما حينما يجد الليبرالي على العكس من ذلك , فهو يدعي الإنتساب ذلك , والفخر به ..والعبرة ليست بالفخر , والانتساب , فالليبرالية ليست أسرة ذات عرق ازرق برجوازي ..وإنما الليبرالية قيمتها بقيمها , التي تطبق على الأرض ...وهؤلاء البعض ليسوا حجة في تقييم "الليبرالية" ..

تقول : (بالنسبة لنقد النص , فمن لوازمه العلم بالحديث رواية ً ودراية ً لأن العلم بذلك هو من الأدوات المنهجية لممارسة النقد إذ كيف ينقد المرء شيئاً يجهله ( كما تنتقد الدكتور البريدي ) .
أخي الكريم حينما يقوم نصر حامد أبو زيد بقراءة النص قراءة جديدة , أو محمد أحمد خلف الله , للنص القرآني ..ما عاقة ذلك بعلم الحديث ؟!! ..ثم من قال لك أن علم الحديث علم تقوم به الحجة ؟! ..فهو علم في غاية الهشاشة والضعف ..لأنه يقوم على مغالطات منطقية فاحشة ..كالمصادرات , والدور , والتسلسل ..وغيره ..بل السؤال : هل معايير الجرح والتعديل ( وحي) أم ( اجتهاد بشري ) ؟! لن يقول أي باحث جاد أنها ( وحي) , وإنما ( اجتهاد بشري) ولهذا هي قابلة للنفي والنقض ..ومن مغالطات الحديث أنه يقوم على الدور والتسلسل ..خذ مثلا أو أسم في صحيح البخاري , وهو بالمناسبة أسمه "الحميدي" ..وأنظر من وثقه ؟!
ستجد : وثقة فلان عن علان عن فلتان : أنه ثقة ..!
حسنا ..فلان الذي في أول هذا السند من وثقه ؟!
وثقة واحد عن أثنين عن ثلاثة : أنه ثقة ..!
حسنا واحد الذي في أول هذا السند من وثقة ؟!
وثقة أي عن بي عن سي : أنه ثقة ..!
وهكذا ستدخل في سلسلة غير متناهية من الرجال والأسانيد ..والسند صحيح لان رجاله ثقاات , ورجاله ثقات لأنهم روو هذا السند ..دور , والدور محال منطقياً ..
ثم لماذا يكون سلفك هو الصالح دون سلف الشيعة , والخوارج , والزيدية ؟!
تقول : لأنهم على هدي النبي ..
هم يقولون : ونحن كذلك ..!
أنت تقول : سلفي لم يقولوا هذا الكلام ؟!
حسنا : لماذا تصدق سلفك ؟!
لأنهم على حق ..!
لماذا هم على حق ؟!
لأنهم سلفي ؟!
ولهذا تجد في علم المصطلح أن المبتدع لا تقبل روايته التي تقومي بدعته ..حسنا من يحدد البدعة ؟!
حينما يأتي من يقدم علي على أبو بكر يوصف بالتشيع , وترد روايته ..حسنا لماذا ترد ؟!
لأن السلف لا يقولون بذالك ؟!
ما هو دليلك أن كلام السلف صحيح ؟!
لأن السلف هم من يقوله ؟!
لماذا تصدق السلف ؟!
لأنهم يقولون ما هو صحيح ؟!
كيف عرفت أنه صحيح ؟!
سلفي يقولون به ..
أنظر إلى الدور ..وهو باطل ..
كذلك من قال أن الصحابة عدول ؟! وتعديل الكل , لا يلزم كل فرد منه ..فلما أقول الشعب المصري شعب كوميدي , لا يعني أن كل فرد مصري هو كذلك ..والله وصف ريح عاد بأنها تدمر ( كل شيء بأذن ربها , فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ) ..كيف دمرت كل شيء , وبقيت المساكن وهي أكثر شيء ؟! ..ولهذا ستتعب كثيرا في أن تجد أساسا علميا لعلم الحديث , هو علم يقوم على الظنون , وعلى المصادرات , وعلى المذاهب الدينية ..فلكل فرقة محدثوها , ورواتها ..فيبقى العقل يفصل في ذلك ..خذ مثلا حديث البخاري : المرأة ناقصة عقل ودين ..لماذا ؟! لأنها : إذا حاضت لم تصلي ..! ..حسنا : من منعها عن الصلاة في وقت الحيض ؟! هو : الله ! ..أليس من يمتثل أمر الله يكون متعبدا له ؟! ..كيف يكون امتثالها لأمر الله نقص في دينها ؟!!! ..هذا غير عشرات الأحاديث الباطلة ..والتي تعج بالمغالطات ..وبالتالي قياس ردي على الدكتور البريدي , على العلم بمصلح الحديث قياس مع الفارق ..فنقدي للبريدي أنه ينقد ما يعترف هو بجهله ..بينما الليبرالي ينتقد علم الحديث , مع علمه بمغالطات هذا العلم ..وعلمه بمغالطته , يقوم على معرفته بهذا العلم ..

تقول : (كذلك هناك لوازم أخرى لنقد النص من أهمها العلم باللغة العربية ( لغة النص ) من أجل فهم النص بشكل صحيح , والعلم بمقاصد الشريعة ( روح الدين الذي ينبثق منه النص ) وكذلك العلم ببقية النصوص إجمالاً ليس من باب تعطيل العقل وربطه بالنصوص فقط ولكن من أجل ألا يتم نقد نص ربما يكون هناك نص آخر يوضحه ويجليه ( كما في كثير من النصوص ) أو يلغيه ( كما يحدث في نسخ الحكم ) أو يكمـّله ( كما في مسألة إرث الذكر والأنثى ) .
هل ثمة من قرأ النص بغير اللغة العربية ؟! بل جل من تعرض للنص هم من المتخصصين باللغة العربية ..مقاصد الشريعة هل هي وحي ؟ أم اجتهاد ؟! أليست القواعد الفقهية , التي تنظم تحقيق "المقصد" جهد بشري يقوم على استقرا النص ؟! الأمر الذي وصفته بــ ( روح الدين) هل هو ظاهري أم استنباطي ؟!
النسخ مبحث كبير في علم الأصول ..وليس هذا مجاله ..ولكن في مسألة المواريث ..حينما تتغير علة الحكم , فيكون في الزوج عاهة , أو كما في التقاليد الهندية ..بحيث المرأة تدفع وتنفق على الرجل ..هل يتغير الحكم أم لا ؟! أن قلت : لا .فقد أفقدت الحكم "معقوليته" , فإن قلت : نعم ..قلنا لك : هذا اجتهاد عقلي ألغى دلالة ما هو "نصي" ! وانطلاقاً من "النص" نفسه ..!
تقول : (فمثلاً : قد يأتي أحدهم ( ليبرالياً كان أو غيره ) فينقد النص الشرعي بخصوص ميراث الذكر والأنثى وأن للذكر مثل حظ الأنثيين وأن هذا ليس فيه مساواة وأن فيه ظلم للأنثى بل ويتعارض مع مقاصد الشريعة وو... إلخ , بينما لو علم بأن هناك نص آخر يـُلزم الرجل بالنفقة على الأنثى ولا يـُلزم الأنثى بالنفقة على الرجل , لربما تغيـّر حكمه كلياً أو جزئياً . )
حسنا , لظروف معينة , عجز الرجل , وتولت المرأة الصرف عليه , أو ما هو في بعض التقاليد ..هل يتغير الحكم أم لا ؟! ..لأنك هنا تنطلق من مقصد ( العدل) , وتحقيق العدل قاعدة كلية , وفي علم المقاصد إذا عارض الظني ما هو قطعي , والقاعدة الكلية هي قطعية _ كما يزعم الشاطبي_ فهنا يرد النص , لان ما هو جزئي لا يعارض ما هو كلي ..
ونقول لك : إذا قلت بتغير الحكم من اجل المقصد الشرعي , والقاعدة الكلية في تحقيق ( العدل) ,,فمن قال لك : أن هذه قاعدة إسلامية دون غيرها ؟! ..أليس من بديهيات العقول , قبح الظلم , وحسن العدل ؟! ..
فإن قلت أن الحكم في المواريث لا يتغير ..لأنه حكم لا يدور مع علة , ولا يقصد به تحقيق العدل ..فقد أفقدت النص معقوليته , ومقصده ..وحديثك عن استصحاب "روح الشريعة" حديث لا يفيد ..لأنه لا يقوم عليه أي تطبيق ..ألا ما كان موافقا لظاهر النص , دون النفاذ إلى مقصده /روحه ..! وبالتالي لا فائدة من أن يعرف من يريد أن ينتقد النص , "مقاصده" : لأن النص يفتقد المقاصد ..!

تقول : (فعن أي قانون تتحدث , وعن أي تحرر تتحدث ؟!
وهل هذا يشمل جميع القوانين والتشريعات , أم أنه خاص بقانون دون قانون ؟!
إذ ما رأيك لو كان هذا القانون شيوعي أو إسلامي متطرف ؟!
هل سيستثنيه الليبرالي من التحرر , أم سيحاول التحرر منه ؟! )
ليس كل قانون , يمتلك شرعية قانونية ..لو تواضع مجموعة من اللصوص , على قانون يجيز سرقة من يعبر هذا الطريق ..فهل يكون قانون ملزم لكل عابر ؟! ..القانون هو ضابط الحرية , عن الفوضى ..إذا عدم , أصبحت الحرية "فوضوية" ..فأنت تحت القانون الإسلامي المتطرف , تدعوا إلى قيمك الأصيلة من "حرية" و "عدالة " ومساواة" ..فإن صادر القانون حقك في التعبير , فهو معتدي ..وردك له حق تضمنه لك كل الأديان والشرائع ...فأنت تبدأ بتطبيع قيمك في المجتمع , ثم يكون السلوك لاحقا ..وهو ما فعله النبي في المرحلة المكية ..وهذا ما يسمى بالطب النفسي إزالة التحسس , بدلا من العلاج بالغمر ..أي المواجهة الشاملة ..كل قانون يصادر حقك في التعبير , هو قانون يفتقد الشرعية ..إلا إذا كنت ترى شرعيته ..فهذا شانك الخاص ..وكذلك لو وجد الليبرالي في مجتمع شيوعي , يدعوا إلى قيمه , ولكن بشكل "سلمي" إذ لو استخدم القوة , فسينقض "ليبراليته" ..فإن منع من التعبير "السلمي" فهذا تعدي عليه ..وتسقط شرعية القانون حينئد ..

كذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتعارض مع الليبرالية..فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سمة كل المجتمعات المتحضرة ..فالشرطة تأمر بالمعروف الأمن , وتنهى عن المنكر الجريمة ..الأطباء يأمرون بالمعروف الصحة , وينهون عن المنكر الوقوع في المرض ..المعلمون يأمرون بالمعروف العلم , وينهون عن المنكر الجهل ..وفي المجتمعات الليبرالية حيث سيادة القانون , الذي يقوم على القيم الحرة , والأصيلة , تتمظهر هذه "المقولة" ( الأمر بالمعروف) أكثر من غيرها ..ولكن في عهد الرسول لم تكن الدولة قد تشكلت بمفهومها المدني , وبمؤسساتها التي تضبط المجتمع بين المعروف , والمنكر ..واختصار هذا "المبدأ" بمجموعة أشخاص , ومبادئ سطحية , هو إخلال بقيم أكثر مقاصد , وأكثر أخلاقية ...
ولا يمنعك أن تنتقد من يختلف معك , أو مع دينك في المجتمع الليبرالي ..فحق النقد مكفول ..وهنا تبرا ذمتك عن طريق الإنكار , ولكن بشكل نقدي مهذب ورفيع ..وهكذا لا تتعارض الليبرالية مع هذا المبدأ
كذلك مبدأ الحاكمية ..فالحكم شان دينوي , مدني , وليس شان ديني ..وقد أطلنا الحديث في ذلك في موضوع الزميل عبدالله الضويان ..ذلك أن هذه الأحكام تهدف إلى تحقيق العدل , والحكم بما انزله الله هو العدل , وبالتالي الحكم بالعدل هو مطلب كل العقلاء في العالم ..فليس هو لدين دون آخر ..

تقول : (هذه إشكالية ينبغي تجليتها لنعرف ماهية الليبرالية وما الذي يفرّقها عن غيرها كالسلفية مثلاً , إذ يستطيع أي أحد أن يقول لك إن السلفية هي ( التحرر ) إلا من سلطة القانون . فكيف يمكن التفريق بين السلفية والليبرالية حينئذ ؟! )
الليبرالية تعول على الفرد وحريته , وتنظم وتمأسس لهذه الحرية ..السلفية ممكن تدوس على رأس الفرد , وتستحل دمه ..وتقول تحت القانون ! ..القيمة يا أخي ليست في موافقة القانون وعدمه ..فالقانون فرع وليس أصل ..القانون ضابط وليس قاعدة ..فالقانون الذي يجيز التعدي باسم السلفية هو قانون ساقط , لأنه يفتقد الشرعية , ويتحول إلى أداة عقوبة , وإدانة , واغتصاب , وإهانة ..وليس إلى ميثاق مدني , ينظم علاقات الناس .. فالتفريق هو في القيم التي تتحرك وفق هذا القانون ..ما هي القيم التي يضبطها القانون حرية الفرد ؟! أم حرية التكفير والتدمير ؟!

تقول : (إذن لابد من تحرير مصطلح ( التحرر ) , وكذلك تحرير ماهية القانون الذي يـُلزَم الليبرالي على اتباعه والخضوع له وعدم ( التحرر ) منه . )

التحرر , هو أن يكون الإنسان غاية وليس هدف ..أن يتمحور كل شيء حول قيمة الإنسان وحريته ..القانون الذي يحترم كل قانون لا يصادر هذه الحرية ..متى ما اغتصب القانون حريات الناس , ولم يتوافر على الحد الأدنى من احترام حرية التعبير ..فهو قانون معتدي ..ورد المعتدي حق كفلته كل الشرائع ..إلا إذا كنت ترى شرعية النظام الذي يصادر حتى حق التعبير , فهذا شأن آخر ..

تقول : (كذلك قد يقال لك إن السلفية أكثر تحرراً من الليبرالية إذ هي أحياناً تتحرر حتى من سلطة القانون لتحاول تغييره وتشكيله من جديد . فهل يمكن القول إن السلفية أكثر " تحرراً " من الليبرالية ؟! )

تتحرر من القانون , لتغيره إلى ماذا ؟! إلى مزيد حرية أم انغلاق ؟! إلى مزيد تحرر أم مزيد كبت ؟! ثم من قال لك أن الليبرالية لا تسعى إلى تغيير القانون , ليكون قائما على أسس أخلاقية يجمع كل عقلاء الأرض عليها ..كقيم العدل والحرية والمساواة ؟! ..ولكن طريقة التغيير لا تكون بالانقلاب على القانون ..الذي هو عقد اجتماعي للمجتمع ..والمجتمع مفهوم اعتباري ليس له وجود ..فالمجتمع أنا وأنت ..وبالتالي لا يحق لي أن انقلب على القانون لألزمك بمبادئ مهما كانت نبيلة ..ولكن أنا استزرع هذه القيم والمبادئ عن طريقة حرية التعبير ..وزرع هذه القيم في المجتمع , يمهد إلى السلوك الناتج عنها ..ثم يتم خلق عقد اجتماعي جديد , يقوم على هذه القيم النبيلة ..إن كانت السلفية تفعل ذلك , ولن تفعل , فهي كالليبرالية والخلاف بينهما خلاف لفظي ..بل أن السقف الذي تتحرر منه السلفية عن القانون هو سقف مضاد للحرية , فهي تريد بعث الماضي من جديد وتقوم على مقاربة النموذج التاريخي المنفصل عن واقعنا ..دون أدراك للأبعاد السيسيولوجية , والسياسية , والاقتصادية , والعلاقات الدولية لمثل هذا الارتداد إلى الماضي ..فهي سلفية محصورة بالنموذج لا بالقيم ..هي لا تأتي بقيم جديد , هي تأتي بنموذج ماضي فقط ..!
تقول : (فأي تحرر هذا الذي اتفقت عليه الليبرالية ؟!

هل اتفقت الليبرالية على أن أي تحرر – أياً كانت ماهيته - يـُعتبر ليبرالية ؟!

هل السلفية – مثلاً – حين تتحرر من قيود المذهبية وتلتزم بالنص ( الذي يمكن اعتباره قانوناً ) تـُعتبر مدرسة من مدارس الليبرالية ؟! )

أخي الفاضل "الليبرالية" محورها الإنسان ,و تتحرره من الاستبداد الاجتماعي والسياسي , الذي ينال من حرية الإنسان ..هل سلفيتك ترفع من قيمة الإنسان وتمارس ذلك ؟! أم تحيي من التراث ألف مستبد ومستبد ؟! ..ثم كيف تلتزم بالنص ؟! النص بفهم من ؟! وهل ستنطلق من القواعد البشرية لعلم الحديث والفقهية ؟! فهي حينما تعود للنص , لا تفهمه انطلاقا من العقل ابتداء ..وإنما ضمن أطر تؤطر فهم النص , وهي أطر بشرية ..وبالتالي الأطروحة السلفية هي أطروحة مأسورة بالإطار , لا بالقيمة ..نعم تستطيع بسلفيتك , أن تجد لهذه القيم الليبرالية أصل شرعي ..ولكن مأسسة هذه القيم , وقولبتها ضمن نسق اجتماعي وسياسي معين ..هو منجز "ليبرالي" ..مثل قانون المرور ..يحقق قاعدة : ( لا ضرر ولا ضرار ) ..ولكنه في آلياته "ليبرالي /غربي" ..وهذه القاعدة الفقهية ..يجمع عليها كل عقلاء العالم ..فليس ثمة عاقل يريد أن يصيبه الضرر ..ولهذا ذكرت سابقا ..الليبرالية ليست الحرية فقط كقيمة , وإنما هي الحرية كفلسفة واقع , وكنسق فكري حي وفاعل ..

تقول : (كيف جزمت بأنه لا يمكن أن يوجد ليبرالي في العالم يفعل ذلك ؟! )

لأن هذه الليبرالية وتعريفها , وأساسها ..وإن كنت تعرف من فعل ذلك , فأتى لنا بمثال ..!

تقول : ( لو قام شخص ما وحاول ( التحرر ) من سلطة قانون من القوانين ( ولنفترض أنه قانون يمنع المظاهرات مثلاً ) وحاول تغييره أو إلغاءه بالطرق السلمية ثم قام شخص آخر ومنعه من ذلك التزاماً منه بتعريف الليبرالية الذي تفضلت به آنفاً وهو أن الليبرالية هي التحرر إلا من سلطة القانون ( وسلطة القانون هنا تقول إن المظاهرات ممنوعة ) ثم جاءنا شخص ثالث ليعطينا حكماً فيقول لنا إن كلا الشخصين لا يمثلان الليبرالية وليسا من الليبراليين , فهل ننفي عن هؤلاء الأشخاص الثلاثة أو أحدهم صفة الليبرالية بناءً على كلامك أنه لا يمكن أن يوجد ليبرالي في العالم يفعل شيئاً من تلك الأفعال التي يفعلها الإسلامي ؟! )

هنا مكمن الخلل , وهذه مشكلة الكثير ممن يتعاطون مع الليبرالية , فهم يحاكمونها بناء على معاييرهم الخاصة ..من يرى المظاهرات يعبر عن رأيه , ولا يمكن لشخص في العالم يسمى ليبرالي أن يصادر حقه في التعبير ..والقانون لا يمكن أن يصادر حقك في التعبير ..وبالتالي من الخطأ أن يقول "القانون" لا يسمح لك بالتعبير ..لأن لو كان القانون كذلك .فالقانون متعدي , هو ساقط الشرعية ..أما السلوك هو مرحلة لاحقة بعد تطبيع القيمة ..كما ذكرت لك سابقا ..هو نتاج لتغيبر القيم التي يقوم عليها القانون بحسبانه عقد اجتماعي ..تغيير القيم يقوم بالتعبير , وزرع القيم بشكل سلمي ..وقد ذكرت أن هذا ما فعله النبي تماما ..وما فعله كل الأنبياء والمصلحين ..السلوك قد تقمعه السلطة المستبدة ..وتموت الفكرة نتيجة هذه المغامرة الغير محسوبة ..لكن لما يرتكز السلوك و الممارسة على أساس قيمي , متجذر في واقع الناس ..فهنا يختلف الأمر ..

تقول : (لأن الدائرة الإسلامية أكبر وأوسع من دائرة الليبرالية , ولهذا فإن من الطبيعي أن يدخل الشيء ونقيضه ضمن دائرة كبيرة الحجم )

ما الذي يجعل أحدى الدوائر حجة على غيرها ؟! لماذا كل دائرة تنفي الأخر , وتكفرها , وتفتك بها ؟! هل هذا هو الإطار الإسلامي الذي تفتخر بكبر حجمه ؟!
فلم يستغن بالعظم البعيرُ ..!

تقول : (كذلك الدائرة الإسلامية ترتكز على نصوص ولهذا فإن من الطبيعي أن يختلف الناس في فهم هذه النصوص , تماماً كما يحدث في تفسير القوانين الوضعية عندما يختلف القضاة والمحامون وغيرهم حول مفاهيم ومعاني هذه الفقرة القانونية أو تلك , بخلاف الليبرالية التي لا تستند إلى نصوص بل إلى مبدأ مجرد ربما لم يتم تحريره وتقنينه عند بعض منتسبيها ! )

من قال لك أن الليبرالية ضد الاختلاف والتعدد ؟! نفي التعدد قتل للإبداع وللتطور ..ولكن الليبرالية تنظم العلاقة بين المختلفين , ولا تجعل لأحد سلطة ليؤذي الأخر ..فحريته تقف عند حرية غيره ..والجميع يقدمون وجهات نظرهم ..والواقع يمايز ويرشح بينها ..ولكن الدائرة الإسلامية .تجيز لكل فرقة وصف الأخرى بالابتداع , وما يترتب على الابتداع من أحكام القتل , والنفي ..ولهذا التعارض بين الليبرالية والسلفية ..ليس تعارض بين ما هو بشري وإلهي ..وإنما ما هو بشري وبشري ..بين فهم للقيم المطلقة التي يجمع عليها العقلاء ..وبين قيم دينية يتأولها البعض تحت أطار مذهبي , وعقدي ضيق ..!

تقول : (إذن مجرد مقارنتك الليبرالية ( الخالية من النصوص ) بالإسلام ( المرتكز على النص ) هي مقارنة غير عادلة . )

يا أخي النصوص لا تحكم ..وإنما الأفهام التي تقرا النصوص هي من تفعل ..القرآن حمال أوجه وإنما ينطق به الرجال ..إلا إذا كنت ترى عصمة كل من يرجع للنص , فهذا شان آخر ..وإلا لماذا اثنان من القضاة بالنار وواحد بالجنة , وكلاهما يعودان للنص ؟! وكل المذاهب الإسلامية تعود للنص .وكل فرقة تقتل الأخرى انطلاقا من النص ؟! والصحابة قتل بعضهم بعض انطلاقا من النص ..!
النص يا أخي لا ينزل ويحكم بين الناس , هو يمر بعقل القاضي , والقاضي يجتهد في ترتيب الحكم على هذه الواقعة ..وهنا يتحول النص من قطعي إلى نسبي ..من إلهي إلى بشري ..
بينما الليبرالية تقوم على قيم مجمع عليها , وهذه القيم هي من الله , إذ زرعها في كل عقلاء العالم ..وهو التحسين والتقبيح العقلي ..

فالقاضي الذي يجيز طلاق امرأة من زوجها وتشتيت أطفالها بدعوى عدم تكافئ النسب ..يرى مرجعية النص , وينطلق منه ..ولم يتعرض له أحد من القضاء الذين يرون مرجعية النص ..بينما كل المنظمات الحقوقية الليبرالية ترى هذا سلوك قبيح ومشين ..وهذا ما يقوله كل عاقل ..
القاضي يحكم بزواج طفلة صغير من شايب في التسعين من عمره ..ويوثق هذا في المحكمة , ولا ينكره ..وهو يرجع للنص ..بينما المنظمات الحقوقية ترى هذا اغتصاب للأطفال ..وهذا ما يقوله كل عقلاء العالم ..!

إذن المقارنة هي بين جهد بشري في قراءة النص , وبين قيم بشرية تقوم على قيم إلهية زرعها الله في نفوس البشر على اختلاف أديانهم ..!

تقول : (ولهذا لو قام مجموعة من القضاة الليبراليون وحكموا على شخص من الأشخاص بأنه يستحق عقوبة من العقوبات بناءً على مخالفته لقانون معين , فهل يمكن القول بأنهم صادروا الحرية وبالتالي لم يعودوا ليبراليين ؟! )

أخي هل أنت جاد في هذا الإيراد ؟!! ..قلت لك الليبرالية تضبط بالقانون ..لابد من قانون لها ..وهذا الشخص عوقب لأنه متعدي , ونقض شرط الحرية بمساس الآخرين ..! ولهذا الدول الليبرالية أكثر الدول عدالة ونظام ..بينما من يدعون مرجعية النص الأكثر ظلما وفوضى ..وهذا لا ينكره إلا مكابر ..وأرجوا عدم تسطيح النظرة لليبرالية بهذا الشكل ..لأنه يفقد المحاور "نشوته" بالحوار ..ويجعله يتحدث بالبديهيات ..!

تقول : (أم أنه سيقال إنهم يطبقون القانون ولا علاقة لتطبيق القانون بالليبرالية ؟

إن قيل هذا , فماذا نقول للإسلامي الذي يقول إنه يحرّم المظاهرات تطبيقاً للقانون ( الذي هو النص عنده ) ؟! )

يا أخي الإسلامي الذي يرى تحريم المظاهرات له هذا .. شرط أن لا يلزم الناس بهذا القول ..ومن واجب القانون أن يحترم وجهة نظره ..وكذلك الليبرالي ..ولكن متى ما سعى لفرض هذا الأمر يكون متعدي ..ومحاسبة المتعدي لا تنافي الليبرالية أبدا لأنه تجاوز شرط "الحرية" عدم التعدي على حرية الآخرين ..ورد المعتدي حق مشروع في كل الأعراف ..

تقول : (الأمر الآخر : ما هو الفرق بين حكم الليبرالي على أي عمل بأنه يتنافى مع الليبرالية , وحكم الإسلامي على أي عمل بأنه يتنافى مع الإسلام ( والذي يـُعرف بالتكفير ) ؟!
الليبرالي يحترم رأي الآخر ..ولا يسعى لفرض رأيه عليه ..أما التكفيري فهو لا يفرض فقط وجهة نظره ..بل ينفي من يختلف معه , ويقتله ..إن لم ترى في هذا فرق ..فلا استطيع أن آتي لك بقول أكثر من هذا ..!

تقول : (ألا يمكن اعتبار حكم الليبرالي على أي عمل بأنه يتنافى مع الليبرالية هو نوع من المصادرة إذا نظرنا إليه بنفس المعيار الذي نحكم به على فعل الإسلامي حينما يحكم على أي عمل بأنه كفر يتنافى مع الإسلام ؟! )

قلت لك الليبرالي لا يصادر حق الآخر في التعبير ..ثمة إسلامي يرى التكفير ..هل تكفيره يمس حريتي أم لا ؟! نعم : هو متعدي ويرد , ويحاكم قانونيا ..لا ..سأقاتل حتى الموت من أجل أن يقول ما يقوله مع عدم اتفاقي معه فيه ...

تقول : (للنص دور في اختبار القيم ولا يمكن إلغاءه كلياً , وفي نفس الوقت لا يمكن الاعتماد عليه وحده في اختبار القيم بل ولا حتى البدء به .
إنما الدور الرئيسي للنص ينحصر في رفض القيمة وليس في قبولها ابتداءً . )
ما فهمت ..! على كل , كيف تدرك دلالة النص على القيمة إما رفض أو قبول ؟!
إن قلت : بالنص نفسه ..فقد وقعت في الدور ..وهو باطل منطقي ..
إن قلت : بالعقل ..فهذا ما نقوله ...!

تقول : (المنهج السلفي في الفقه قائم أساساً على الارتباط بالدليل أو النص المعصوم وليس بأقوال غير المعصومين سواءً كانوا من التابعين أو غيرهم . )

كيف علمت أن المنهج السلفي في الفقه قائم على أساس الارتباط بالدليل ؟! وكيف فهمت دلالة الدليل على هذا المنهج ؟!
بالنص : كيف فهمت النص ؟!
بالنص نفسه ؟!
وقعت في الدور ..
بالعقل : هذا ما نقوله , مع عدما تسليمنا بكلامك ..لأن فهمك للنص لا يجعل لفهمك عصمة النص ..فمجرد ما يخرج النص من كونه حكم , إلى محاكمة لسياق الحكم نفسه , أو تحقيق مناطه , هنا يفقد معصوميته ..ويكون اجتهاد ..كما أسهبنا في حوارنا مع الزملاء الضويان والضحيان ..حكم السارق قطع اليد ..ولكن إيقاع هذا الحكم على حالة معينة , وظرف معين ..اجتهاد بشري ..قابل للأخذ والرد ..

تقول : (هذا هو المنهج السلفي في الفقه أما الارتباط بفهم السلف للنص فهذا قد يكون في العقيدة وفي بعض جوانبها تحديداً وليس في الفقه .

وعليه فلا بأس أن تكون هناك قراءة جديدة وتوصف بالسلفية إذ أن السلفية كمصطلح مرتبطة بالرجوع إلى النص وليس إلى فهم السالفين . )

لماذا يجوز التقليد في العقيدة ولا يجوز في الفقه ؟! مع أن الأولى العكس ..فما تعتقده يجب أن يقوم على القطع لا الظن والتقليد ..لان تعريف الاعتقاد هو الجزم وانعقاد القلب على أمر ما ..

إذا كنت تعود للنص , فأنت "نصوصي" ولست سلفي ..وأبن تيمية يرى ذلك والأمام احمد ..لا يجوز لك أن تعود للنص دون كلام التابعين ..فهل تعتبرهم سلف أم لا ؟!
إن قلت : نعم ..فقد نقضوا موقفك من العودة إلى النص وأنه ليس بسلوك سلفي ..
فإن قلت : لا .. فقد أخرجتهم من السلف ..!

قلت : (ولو أردنا أن نتقيد بالمفهوم الشكلي لليبرالية – كما فعلت مع السلفية – لقلنا إن إلزام الليبرالية لمنتسبيها بالخضوع للقوانين والالتزام بها هو تناقض لفظي وفكري واضح إذ كيف يكون ثـَمة ليبرالية وهي تمنعني من ( التحرر ) من سلطة القانون ؟! )
يا أخي يا أخي ..القانون ضروري للحرية حتى لا تكون فوضى ..والحرية ضرورية للقانون حتى يكون قانون ..القانون الذي يضبط ويمنع ..هل يفعل ذلك دون وجود حريات يراد ضبطها ؟! هل يوجد قانون لمنع الأصنام أو الأبواب من التعدي وإلزامهم بها ..!!!

تحياتي // الحميدي ,,

------

أهلاً وسهلاً بك أخي الحميدي
سأحاول قدر الإمكان أن أختصر في تعليقي وسأحاول جاهداً أن أركز على المفاهيم المجردة متجاهلاً أو مؤجلاً الحديث عن الممارسات وذلك لئلا يتشتت الحوار ونغرق في التفاصيل .

تقول :
( المفاهيم "التحررية" موجودة بالمجتمع , كما سبق وبينت , عن طريق كثير من الممارسات التي تتجاوز الرقابة الدينية , ومرجعية السائد العام ..ولكن وضع هذه الممارسات في نسق "فلسفي" و "فكري" والبحث عن مشتركاته, وودوافعه , وترابطه ..هو المبحث الذي يجب أن يكون الأهم بالنسبة لليبرالي ..وقد بينت أن الإشكالية تكمن في خصوم الليبرالية ... )

عفواً أخي العزيز , أراك تضع اللوم على خصوم الليبرالية في شيء هو من واجبات الليبراليين أنفسهم !
بل أنت بحديثك عما يفعله خصوم الليبرالية مع الليبراليين يجعلنا نلوم الليبراليين أكثر إذ أصبحت بلورة مفاهيم الليبرالية أكثر وجوباً وإلحاحاً .
إن من واجب الليبراليين ابتداءً أن يقوموا بتحرير مصطلح الليبرالية وبيان مفاهيمها للناس , وعندما يسيء الناس فهم الليبرالية يكون اللوم كله على الليبراليين أنفسهم لكونهم لم يقوموا بواجبهم .

ولهذا مصلح الليبرالية لا يختلف حوله الليبراليون الحقيقيون فلو سألت البليهي , والدخيل , والمحمود عن (الليبرالية) لما وجدت خلافا في تعريفهم لها

وهل الليبرالية عندنا محصورة بهؤلاء ؟!
ومع ذلك أشك حتى في اتفاق هؤلاء الثلاثة في تعريفهم لليبرالية .
وحتى لو افترضنا جدلاً أنهم يتفقون في التعريف نظرياً , ستجدهم يختلفون في التطبيقات .

لا أقول هذا من باب الانتقاص ولكنه من باب استقراء الواقع الذي نشاهده .

من تولى كبر , التسويق للمصلح هم خصوم الليبرالية , وبعض أدعياءها ..وإلا الليبرالي الجاد ..لا يهتم بالمصطلح أو الدال قدر اهتمامه بالمدلول ..فهو القيمة , والتطبيق لهذا المفهوم ..لا مجرد المواضعة الاصطلاحية له ..

إن كان الليبرالي الجاد لا يهتم بالمصطلح وإنما يهتم بالمدلول , فعليه تسويق المدلول من خلال توضيحه للمصطلح .
مع تحفظي على وجود ليبراليين جادين في المشهد السعودي .

تقول :
أخي الكريم حينما يقوم نصر حامد أبو زيد بقراءة النص قراءة جديدة , أو محمد أحمد خلف الله , للنص القرآني ..ما عاقة ذلك بعلم الحديث ؟!! ..ثم من قال لك أن علم الحديث علم تقوم به الحجة ؟! ..فهو علم في غاية الهشاشة والضعف ..لأنه يقوم على مغالطات منطقية فاحشة ..كالمصادرات , والدور , والتسلسل ..وغيره ..بل السؤال : هل معايير الجرح والتعديل ( وحي) أم ( اجتهاد بشري ) ؟! لن يقول أي باحث جاد أنها ( وحي) , وإنما ( اجتهاد بشري) ولهذا هي قابلة للنفي والنقض ..ومن مغالطات الحديث أنه يقوم على الدور والتسلسل ..

طيب هل يمكن أن نطبق هذه المعايير على القرآن الكريم ؟!
أم أنه منزه عن ذلك ؟!

إن قلت إنه منزه , وقعت في التناقض ..
وإن قلت إنه غير منزه بل ينطبق عليه ما ينطبق على علم الحديث , فلماذا لم تتطرق له ؟!

ثم إننا لو طبقنا هذا المعيار على الليبرالية وقيمها , لوصلنا إلى الدور والتسلسل أيضاً .

فقيمة العدل أو الحرية أو المساواة مثلاً كيف ثبتت عندك أنها قيم يجمع كل عقلاء الأرض عليها ؟!

إن قلتَ إنك أحصيت عقلاء الأرض وأخذتَ إجماعهم عليها بنفسك , فأنت تتحدث عن محال لا يمكن القبول به ..
وإن قلتَ إن حجتك لإثباتها هو العقل , سيقال لك : وأي عقل هذا الذي يثبتها ؟!
هل هو عقلك أم عقول عقلاء الأرض جميعاً ؟!
إن قلتَ عقلك , فهو ليس حجة بذاته , إذ كيف تستدل بشيء أنت تستدل له ؟!
وإن قلتَ عقول عقلاء الأرض جميعاً , رجعت إلى المربع الأول .
وبهذا تكون وقعت بالدور والتسلسل .

وبالمناسبة :

حتى قيم الليبرالية بتفاصيلها هي اجتهاد بشري أيضاً قابل للنفي والنقض .

فمثلاً لو قام أحد الليبراليين بالتحرر من بعض تفاصيل هذه القيم الليبرالية كالحرية والعدل والمساواة وحاول نفي أو نقض الجمع بينها , فهل سيـُقبـَل فعله ويبقى ليبرالياً ؟!

إن قلت لا , ناقضت كلامك أعلاه بأن الاجتهاد البشري قابل للنفي والنقض ..
وإن قلتَ نعم , اهتز عرش الليبرالية التي تقوم على هذه الأسس الأخلاقية التي يجمع كل عقلاء الأرض عليها على حد قولك .
حسنا , لظروف معينة , عجز الرجل , وتولت المرأة الصرف عليه , أو ما هو في بعض التقاليد ..هل يتغير الحكم أم لا ؟! ..لأنك هنا تنطلق من مقصد ( العدل) , وتحقيق العدل قاعدة كلية , وفي علم المقاصد إذا عارض الظني ما هو قطعي , والقاعدة الكلية هي قطعية _ كما يزعم الشاطبي_ فهنا يرد النص , لان ما هو جزئي لا يعارض ما هو كلي ..
ونقول لك : إذا قلت بتغير الحكم من اجل المقصد الشرعي , والقاعدة الكلية في تحقيق ( العدل) ,,فمن قال لك : أن هذه قاعدة إسلامية دون غيرها ؟! ..أليس من بديهيات العقول , قبح الظلم , وحسن العدل ؟! ..
فإن قلت أن الحكم في المواريث لا يتغير ..لأنه حكم لا يدور مع علة , ولا يقصد به تحقيق العدل ..فقد أفقدت النص معقوليته , ومقصده ..وحديثك عن استصحاب "روح الشريعة" حديث لا يفيد ..لأنه لا يقوم عليه أي تطبيق ..ألا ما كان موافقا لظاهر النص , دون النفاذ إلى مقصده /روحه ..! وبالتالي لا فائدة من أن يعرف من يريد أن ينتقد النص , "مقاصده" : لأن النص يفتقد المقاصد ..!

كلام جميل , ولكني حينما أوردتُ لك المثال لم أكن أقصد إثبات الكمال بل إثبات التكامل .

بمعنى أنني حينما أوردتُ المثال كنتُ أريد أن أؤكد لك شـرط معرفة ناقد النص لبقية النصوص .

تقول :
ليس كل قانون , يمتلك شرعية قانونية ..لو تواضع مجموعة من اللصوص , على قانون يجيز سرقة من يعبر هذا الطريق ..فهل يكون قانون ملزم لكل عابر ؟! ..القانون هو ضابط الحرية , عن الفوضى ..إذا عدم , أصبحت الحرية "فوضوية" ..فأنت تحت القانون الإسلامي المتطرف , تدعوا إلى قيمك الأصيلة من "حرية" و "عدالة " ومساواة" ..فإن صادر القانون حقك في التعبير , فهو معتدي ..وردك له حق تضمنه لك كل الأديان والشرائع ...فأنت تبدأ بتطبيع قيمك في المجتمع , ثم يكون السلوك لاحقا ..وهو ما فعله النبي في المرحلة المكية ..وهذا ما يسمى بالطب النفسي إزالة التحسس , بدلا من العلاج بالغمر ..أي المواجهة الشاملة ..كل قانون يصادر حقك في التعبير , هو قانون يفتقد الشرعية ..إلا إذا كنت ترى شرعيته ..فهذا شانك الخاص ..وكذلك لو وجد الليبرالي في مجتمع شيوعي , يدعوا إلى قيمه , ولكن بشكل "سلمي" إذ لو استخدم القوة , فسينقض "ليبراليته" ..فإن منع من التعبير "السلمي" فهذا تعدي عليه ..وتسقط شرعية القانون حينئد ..


من خلال كلامك هذا أعتقد أن تعريفك السابق لليبرالية لم يكن دقيقاً أبداً , فأنت تفضلتَ بتعريف الليبرالية على أنها : " التحرر إلا من سلطة القانون "

وأنت بكلامك هنا كأنك تقول إن الليبرالية هي " التحرر إلا من سلطة القانون ( الليبرالي ) "

أي كأنك تقول إن القانون إذا كان غير ليبرالي , فلك أن تتحرر منه أما إن كان قانوناً ليبرالياً فليس لك أن تتحرر منه . وهذا حشو لا فائدة منه , إذ أن السلفية أيضاً تعني التحرر إلا من سلطة القانون ( السلفي ) , والشيوعية أيضاً تعني التحرر إلا من سلطة القانون ( الشيوعي ) وهكذا .

فما الذي يميز الليبرالية في تعريفك لها الذي أوردته في مداخلتك السابقة أخي العزيز ؟!

إن التعريف الذي تفضلتَ به لليبرالية تعريف عام عائم لا يمكن أن يميز الليبرالية ويحددها , بل يمكن لأي أحد أن يضعه تعريفاً للسلفية أو الشيوعية أو غيرها !

ولو اقتصرتَ في تعريفك لليبرالية على أنها ( التحرر ) فقط دون عبارة ( إلا من سلطة القانون ) , لكان أجدى .

تقول :
الليبرالية تعول على الفرد وحريته , وتنظم وتمأسس لهذه الحرية ..السلفية ممكن تدوس على رأس الفرد , وتستحل دمه ..وتقول تحت القانون ! ..القيمة يا أخي ليست في موافقة القانون وعدمه ..فالقانون فرع وليس أصل ..القانون ضابط وليس قاعدة ..فالقانون الذي يجيز التعدي باسم السلفية هو قانون ساقط , لأنه يفتقد الشرعية , ويتحول إلى أداة عقوبة , وإدانة , واغتصاب , وإهانة ..وليس إلى ميثاق مدني , ينظم علاقات الناس .. فالتفريق هو في القيم التي تتحرك وفق هذا القانون ..ما هي القيم التي يضبطها القانون حرية الفرد ؟! أم حرية التكفير والتدمير ؟!

عفواً , أنت هنا تتحدث عن السلفية بلغة الخصم وعليه فكلامك عنها ليس بحجة .

أما فيما يتعلق بحديثك عن الليبرالية وأنها تعول على الفرد وحريته وتنظم وتمأسس لهذه الحرية , فهذا قد ينطبق أيضاً على السلفية ( كمفهوم مجرد وليس كتطبيقات ) ولكن السلفية تقول إنها تعول على الفرد وحريته " المنضبطة بضوابط النص أو الشرع " على حد وصفهم .

نعم هناك فوارق كبيرة بين السلفية والليبرالية ( الغربية ) في جانب التطبيقات لهذه الحرية , سببها وجود النص عند السلفية وانعدامه في الليبرالية .
كذلك أعتقد أن من أهم أسباب وجود الفوارق أيضاً الواقع المتخلف للبلدان العربية والإسلامية . فالمنطقة العربية والإسلامية ( حيث تتركز السلفية ) تقبع تحت واقع متخلف وبيئات في معظمها جافة جعلت من الإنسان الذي يعيش فيها حاداً قد تغلغلت فيه الحدية في الرأي وإقصاء المخالف . والدليل على ما أقول هو واقع الليبراليين العرب , إذ أن معظمهم لا يختلف كثيراً عن الإسلاميين المتطرفين ولكنه على الطرف الآخر .

ولهذا كنتُ أتمنى لو وُجد تيار سلفي أصلي نشأ في الغرب – وليس تيارات سلفية مستوردة كما هو حاصل الآن – لنحاول المقارنة . مع يقيني أنه مهما زادت نسبة حرية الفرد عند السلفية فلن تصل إلى مثيلتها عند الليبرالية لأن السلفية محكومة بنص بخلاف الليبرالية .

تقول :
التحرر , هو أن يكون الإنسان غاية وليس هدف ..أن يتمحور كل شيء حول قيمة الإنسان وحريته ..القانون الذي يحترم كل قانون لا يصادر هذه الحرية ..متى ما اغتصب القانون حريات الناس , ولم يتوافر على الحد الأدنى من احترام حرية التعبير ..فهو قانون معتدي ..ورد المعتدي حق كفلته كل الشرائع ..إلا إذا كنت ترى شرعية النظام الذي يصادر حتى حق التعبير , فهذا شأن آخر ..

عفواً لم أفهم !
كيف يكون الإنسان غاية وليس هدف ؟!

عموماً :
الليبرالية لا تكفل حق التعبير فقط بل حتى حرية الفعل , ولهذا لو كان هناك قانون يمنع فعلاً من الأفعال ليس فيه تعدٍ كالمثلية مثلاً فهل تعتقد أن هذا القانون قانون متعدي ؟!
إن قلتَ : لا , فأنت تناقض كلامك ..
وإن قلتَ : نعم , فأنت تشرعن ما يستقبحه العقل عند جميع عقلاء العالم .

تقول :
تتحرر من القانون , لتغيره إلى ماذا ؟! إلى مزيد حرية أم انغلاق ؟! إلى مزيد تحرر أم مزيد كبت ؟! ثم من قال لك أن الليبرالية لا تسعى إلى تغيير القانون , ليكون قائما على أسس أخلاقية يجمع كل عقلاء الأرض عليها ..كقيم العدل والحرية والمساواة ؟! ..ولكن طريقة التغيير لا تكون بالانقلاب على القانون ..الذي هو عقد اجتماعي للمجتمع ..والمجتمع مفهوم اعتباري ليس له وجود ..فالمجتمع أنا وأنت ..وبالتالي لا يحق لي أن انقلب على القانون لألزمك بمبادئ مهما كانت نبيلة ..ولكن أنا استزرع هذه القيم والمبادئ عن طريقة حرية التعبير ..وزرع هذه القيم في المجتمع , يمهد إلى السلوك الناتج عنها ..ثم يتم خلق عقد اجتماعي جديد , يقوم على هذه القيم النبيلة ..

أولاً : كيف يجمع عقلاء الأرض على متناقضين كالعدل والمساواة ؟!
إن المساواة في بعض الأحيان ظلم وليست عدلاً , فالمساواة التامة في الحقوق والواجبات بين جميع بني البشر دون اعتبار لجنس أو لقدرة جسدية أو عقلية هو في حقيقة الأمر ليس من العدل ولا العقل في شيء .

ثانياً : إني أجد في حديثك الجميل هذا ما يتناقض مع المنطق , إذ كيف تقول إنه لا يحق لك كليبرالي أن تنقلب على القانون لتلزمني بمبادئ نبيلة وأنت تقول إن القانون ( غير الليبرالي ) الذي لا يسمح لك بالتعبير هو قانون متعدي وساقط الشرعية وبالتالي يجوز التحرر منه ؟!
أليس هذا انقلاب على القانون , أم أن الانقلاب لابد أن يكون انقلاباً عسكرياً ؟!
ثم لنفترض جدلاً أن ليبرالياً عربياً حكم بلداً من البلدان وحكمه بالقانون الليبرالي , فهل سيقبل بوجود أناس يطالبون بالتحرر من هذا القانون ؟!
نظرياً أعتقد أن سيقبل بهذا " على مضض " , بينما على أرض الواقع فأشك كثيراً أن يفعل ذلك والسبب برأيي هو ما ذكرتـُه لك في تعليق سابق .

تقول :
هنا مكمن الخلل , وهذه مشكلة الكثير ممن يتعاطون مع الليبرالية , فهم يحاكمونها بناء على معاييرهم الخاصة ..من يرى المظاهرات يعبر عن رأيه , ولا يمكن لشخص في العالم يسمى ليبرالي أن يصادر حقه في التعبير ..والقانون لا يمكن أن يصادر حقك في التعبير ..وبالتالي من الخطأ أن يقول "القانون" لا يسمح لك بالتعبير ..لأن لو كان القانون كذلك .فالقانون متعدي , هو ساقط الشرعية ..أما السلوك هو مرحلة لاحقة بعد تطبيع القيمة ..كما ذكرت لك سابقا ..هو نتاج لتغيبر القيم التي يقوم عليها القانون بحسبانه عقد اجتماعي ..تغيير القيم يقوم بالتعبير , وزرع القيم بشكل سلمي ..وقد ذكرت أن هذا ما فعله النبي تماما ..وما فعله كل الأنبياء والمصلحين ..السلوك قد تقمعه السلطة المستبدة ..وتموت الفكرة نتيجة هذه المغامرة الغير محسوبة ..لكن لما يرتكز السلوك و الممارسة على أساس قيمي , متجذر في واقع الناس ..فهنا يختلف الأمر ..

دعني أعطيك أمثلة أخرى غير المظاهرات ولنفترض أن أحد البريطانيين حاول التحرر من سلطة قانون يمنع التعرض إلى الملكة ( the queen ) ثم بدأ ينقدها نقداً لاذعاً أو حاول التحرر من سلطة قانون يمنع التشكيك في محرقة اليهود مثلاً فبدأ يتحدث عن ذلك أمام الملأ وفي الإعلام المرئي والمقروء , ثم قام شخص آخر ومنعه من ذلك .. فهل ننفي الليبرالية عن أحد الشخصين وخصوصاً الشخص الثاني ؟!
إن قلت : ننفي عن الأول ليبراليته ونثبتها للثاني , فقد وقعت في التناقض إذ أن الأول يرى أن القانون الذي يمنعه من نقد الملكة أو من التشكيك في محرقة اليهود هو قانون متعدي ساقط الشرعية ..
وإن قلت ننفي عن الثاني ليبراليته لأنه يريد أن يفرض رأيه بالقوة , فأنت تتهم دولاً ليبرالية غربية بأنها ليست ليبرالية .

تقول :
ما الذي يجعل أحدى الدوائر حجة على غيرها ؟! لماذا كل دائرة تنفي الأخر , وتكفرها , وتفتك بها ؟! هل هذا هو الإطار الإسلامي الذي تفتخر بكبر حجمه ؟!
فلم يستغن بالعظم البعيرُ ..!

عفواً أخي الفاضل :

من قال لك إنني افتخرت بكبر الدائرة أو صغرها ؟!

أنا فقط كنتُ أصف لك الواقع الذي أراه ولم أكن أقول ذلك لا مفتخراً ولا منتقصاً .

يا أخي النصوص لا تحكم ..وإنما الأفهام التي تقرا النصوص هي من تفعل ..القرآن حمال أوجه وإنما ينطق به الرجال ..إلا إذا كنت ترى عصمة كل من يرجع للنص , فهذا شان آخر ..وإلا لماذا اثنان من القضاة بالنار وواحد بالجنة , وكلاهما يعودان للنص ؟! وكل المذاهب الإسلامية تعود للنص .وكل فرقة تقتل الأخرى انطلاقا من النص ؟! والصحابة قتل بعضهم بعض انطلاقا من النص ..!
النص يا أخي لا ينزل ويحكم بين الناس , هو يمر بعقل القاضي , والقاضي يجتهد في ترتيب الحكم على هذه الواقعة ..وهنا يتحول النص من قطعي إلى نسبي ..من إلهي إلى بشري ..

صحيح , النصوص بحد ذاتها لا تحكم ولكن يظل وجود ( النص ) عند الإسلامي يستند عليه ويرجع له يجعله مختلفاً عن الليبرالي الذي لا يستند على نصوص ولا يرجع إليها .

وبالتالي تظل المقارنة بين الليبرالية والإسلام مقارنة غير عادلة إذ مجرد وجود نص عند طرف وانعدامه عند الطرف الآخر يجعل المقارنة غير عادلة .

بينما الليبرالية تقوم على قيم مجمع عليها , وهذه القيم هي من الله , إذ زرعها في كل عقلاء العالم ..وهو التحسين والتقبيح العقلي ..

ألا ترى أنك هنا تتحدث بلغة وقطعية تشبه قطعية السلفيين ؟!

ثم من قال إن هذه القيم من الله ؟!

هل التحسين والتقبيح العقلي هو الذي تستدل به على أن هذه القيم من الله ؟!

طيب حتى لو افترضنا أن هذه القيم ( المجردة ) من الله بناءً على التحسين والتقبيح العقلي , فهل ( تطبيقاتها ) أيضاً من الله ؟!

إن قلتَ إن القيم ( المجردة ) هي التي من الله بينما تطبيقاتها اجتهادات بشرية , فقد تشترك السلفية مع الليبرالية في تبني هذه القيم ولكن سيختلفان في التطبيقات .

فعلى أي شيء سنستند عند الحكم والمقارنة بين الليبرالية والسلفية ؟!

هل سنستند على العقل فقط أم على النص باستخدام العقل ؟!

يا أخي الإسلامي الذي يرى تحريم المظاهرات له هذا .. شرط أن لا يلزم الناس بهذا القول ..ومن واجب القانون أن يحترم وجهة نظره ..وكذلك الليبرالي ..ولكن متى ما سعى لفرض هذا الأمر يكون متعدي ..ومحاسبة المتعدي لا تنافي الليبرالية أبدا لأنه تجاوز شرط "الحرية" عدم التعدي على حرية الآخرين ..ورد المعتدي حق مشروع في كل الأعراف ..

وهل ينطبق هذا الكلام على من يتعدى – سلمياً – على القوانين التي تمنع التشكيك في محرقة اليهود أو تمنع التعدي على يسوع عليه السلام أو على الملكة أو القانون الذي يمنع التزاوج المثلي مثلاً ؟!

الليبرالي يحترم رأي الآخر ..ولا يسعى لفرض رأيه عليه ..أما التكفيري فهو لا يفرض فقط وجهة نظره ..بل ينفي من يختلف معه , ويقتله ..إن لم ترى في هذا فرق ..فلا استطيع أن آتي لك بقول أكثر من هذا ..!

ومن قال إن الليبرالي لا يفرض رأيه على الآخر ؟!

إن الليبرالي حينما يحكم فهو يفرض رأيه على من هم دونه ولكنه في قرارة نفسه يعتقد أنه لا يفرض شيئاً على الآخرين لأنه يظن أنه يطبق ما قد أجمع عليه جميع عقلاء العالم وبالتالي من يعارضه فهو مجنون أو لاشيء .. وهذا الفعل شبيه بفعل التكفيري من جهة المبدأ إلا أن الفرق بين الاثنين أن الليبرالي لا يستند في فعله على نصوص إلهية مقدسة بينما التكفيري يزعم أنه يحكم باسم الله ونيابة عنه .

مع أنك وانا اخوك كأن ودك تصير مثلهم يوم قلت إن قيم الليبرالية من الله

ما فهمت ..! على كل , كيف تدرك دلالة النص على القيمة إما رفض أو قبول ؟!
إن قلت : بالنص نفسه ..فقد وقعت في الدور ..وهو باطل منطقي ..
إن قلت : بالعقل ..فهذا ما نقوله ...!


أنا أدرك دلالة النص بالعقل طبعاً , ولكن – عفواً – ليس هذا هو ما تقوله لأن الليبرالي لا يمكن أن يعتمد على النص المقدس أصلاً وإلا فلن يكون ليبرالياً .

إلا إن كنتَ تقول إن الليبرالية تعني التحرر إلا من النصوص , فهذا شأن آخر .

أعتذر على الإطالة ,,

ولك أخي العزيز الحميدي وللجميع شكري وتقديري ,,

إبراهيم السدرة

-----------

الأخ الكريم ( إبراهيم السدرة) تحياتي لك وللقراء والزملاء الكرام ..وأسمح لي قبل أن أعلق على ما جاء في رسالتك ..أن أذكرك بأن قيمة الحوار هي في تقريب الفهم , وليس من أجل الانتصار إلى الذات , أو من أجل أن أقنع (بالضرورة ) الآخر ..وأكاد أجزم لو قرأت ردي السابق , بعمق أكبر , وبروية , لوجدت الإجابات على تساؤلاتك ..لأن ما ذكرته _ على جماله_ لا يعدو أن يكون تكرار لما سبق ..كذلك أجد أن ردودك في جلها , تقوم على ( الإلزامات) التي لا تلزم ..وسيأتي بيانها ..وسيكون هذا آخر رد لي في الموضوع ما لم يطرح استدراك جديد ..مع فرحي والله بالحوار معك , وباقي الزملاء الكرام ..

تقول أخي الفاضل : (عفواً أخي العزيز , أراك تضع اللوم على خصوم الليبرالية في شيء هو من واجبات الليبراليين أنفسهم !
بل أنت بحديثك عما يفعله خصوم الليبرالية مع الليبراليين يجعلنا نلوم الليبراليين أكثر إذ أصبحت بلورة مفاهيم الليبرالية أكثر وجوباً وإلحاحاً .
إن من واجب الليبراليين ابتداءً أن يقوموا بتحرير مصطلح الليبرالية وبيان مفاهيمها للناس , وعندما يسيء الناس فهم الليبرالية يكون اللوم كله على الليبراليين أنفسهم لكونهم لم يقوموا بواجبهم . )
أخي الكريم ..من أوجب على الليبراليين تحرير المصطلح ؟! ألم أتحدث طويلا عن أن المصطلح والدال هو نتاج مدلوله , وحركة هذا المدلول في الواقع ؟! ألم أقل أن قيمة الدال في تطبيقه الواقعي ؟! ألم اقل أن التنوير لم يبدأ بتحرير المصطلح لمفهوم التنوير وإنما انتهى إليها ؟! ألم أقل أن اللغة مورست ثم قعدت قواعدها ؟! وأن التحديث مورس ثم قعدت شروطه ؟! وهذا ينطبق على الحرية , وحراكها مع الواقع ؟! لماذا نتمحور حول "الدال" دون المدلول ؟! لماذا لا نناقش الفكرة التي يحملها المنتصب لهذا المصطلح , الذي لا يهم في اصطلاحه , إلا تطبيقه الواقعي له ؟! ..

بل إنك تقع في تناقض عجيب , فتقول : (مع تحفظي على وجود ليبراليين جادين في المشهد السعودي . )
لماذا تتحفظ على وجود ليبراليين ؟! إلا أن يكون لديك تعريف لهذا المصطلح الذي حاكمت عليه وجود وعدم وجود ليبراليين في السعودية ؟!
قلنا لك الليبرالية هي فلسفة ( الحرية) وتطبيقاتها الموجودة .هي تحويل القيمة من (فكرة مجردة) إلى ( واقع مجسد) ..هي انتقال الحرية من الوجود بالقوة , إلى الوجود بالفعل ..وليس ثمة إشكال بين الليبراليين في ذلك ..ولكن المشكلة مع الخصوم واضطرابهم ..فهم من يختلف معهم يكون ليبرالي كائن ما كان توجهه , ولو سألتهم ما معنى ليبرالي , ما وجدت جواب ؟! ..أو تجدهم يصفونه بالمفهوم العائم ولكنهم يحاكمونه ؟! أو يجهلون تعريفه , ولكنهم يحكمون بوجود وعدم وجود ليبراليين سعوديين ؟! هذه مشكلة حقيقة , وهؤلاء هم الذين يحتاجون التأصيل لمصطلح الليبرالية , وهو عملهم هم , وليس عمل من ليست لديه مشكلة مع المصطلح وتطبيقه ..وبالتالي أن كانوا يريد معرفة الليبرالية علما , عليهم الإطلاع ..أما محاكمة فليس الليبرالي بمتهم ليقدم دفاعه عن مصطلح الليبرالية ..

تقول : (وهل الليبرالية عندنا محصورة بهؤلاء ؟!
ومع ذلك أشك حتى في اتفاق هؤلاء الثلاثة في تعريفهم لليبرالية .
وحتى لو افترضنا جدلاً أنهم يتفقون في التعريف نظرياً , ستجدهم يختلفون في التطبيقات .

لا أقول هذا من باب الانتقاص ولكنه من باب استقراء الواقع الذي نشاهده ) .
هؤلاء من المنظرين لليبرالية , وكل حديثهم يتمحور حول ( الإنسان وحريته) ..ثم يا أخي العينة , والمنهج الاستقرائي لا يستلزم أن تشمل كل أفراد المادة المراد استقرائها ..فهو ليس منهج استنباطي تكون نتيجته متضمنة في مقدمته ..وإنما نتيجته أكبر من مقدمته ..!
وسؤالي لك : هل استقرائك شمل كل الأفراد ؟! أم بعض منهم ؟!
إن كان كلهم : فما الدليل , ونتائج الدراسة ومقدماتها ..مع أنك تقول : (أشك) في أنهم يتفقون , والشك ليس دليل دراسة , وإنما دليل رأي ..
و إن كان بعضهم : فلماذا تصادر حق غيرك في الاستدلال بالبعض "كعينة" على المجموع ؟! كما فعلت أنت ؟ .. طالما أن الحالات لها حكم الحالات المشابهة لها ..!
ما هي التطبيقات التي يختلفون حولها ؟! هل هي تضاد الأصل ( الحرية) التي ينطلقون منها أم لا ؟!
إن كان نعم : فيا حبذا مثال ؟!
إن كان لا : فالخلاف متضمن في الحرية فلا يضادها ..فجزء الشيء ليس ضده ..

تقول : (إن كان الليبرالي الجاد لا يهتم بالمصطلح وإنما يهتم بالمدلول , فعليه تسويق المدلول من خلال توضيحه للمصطلح .
مع تحفظي على وجود ليبراليين جادين في المشهد السعودي ) .
أسمح لي يا أخي هذه ( سفسطة) المدلول يولد الدال ..تمارس الفكرة ثم تتولد من الممارسة مصطلحها ..فكيف يهتم بالمدلول ولكنه يوضح الدال , قبل تحقق المدلول , المفرز للدال نفسه؟!
ثم إذا لم يكن المصطلح محرر , كيف علمت أنه لا يوجد ليبرالي جاد ؟!
إن كنت تجهل التعريف : فكيف تنفي ما تجهل دلالته ؟!
إن كنت تدرك التعريف : فلماذا تقول بجهلك له ؟!

تقول : (طيب هل يمكن أن نطبق هذه المعايير على القرآن الكريم ؟!
أم أنه منزه عن ذلك ؟!

إن قلت إنه منزه , وقعت في التناقض ..
وإن قلت إنه غير منزه بل ينطبق عليه ما ينطبق على علم الحديث , فلماذا لم تتطرق له ؟! )
أي معايير ؟! معايير علم الحديث بشرية , ولكن ثبوت القرآن إلهي ..!
فكيف تطبق معايير السند على القرآن ..هل أنت بحاجة إلى توثيق الله وجبريل ومحمد ..حتى يكون سند القرآن صحيح ؟! ..ثم هذا القرآن لم يأتي فيه ما يخالف العقل ..وهو نص معجز ثبت أنه من الله ..ونقله الآلاف عن الآلاف عن الآلاف ...وتعهد الله بحفظه ..فكيف يقاس على الحديث ؟!
وبالتالي أي تناقض أقول به ؟! هل القول أن مصدر القرآن إلهي , يتعارض مع القول أن مصدر الحديث بشري ؟! هل القول أن القرآن نقل بالتواتر , مثل القول أن حديث آحاد نقله شخص عن شخص ؟!
أين التناقض ؟! إلا إذا كنت ترى أن ثبوت علم الحديث مثل ثبوت القرآن فهذا شأن آخر ..وإذا كان محمد عن جبريل عن الله ..مثل سند رجال البخاري فهذا شأن آخر ..أما ماعدا ذلك ..فالقول بالتناقض أمر غريب وعجيب ,,ويفتقد إلى استفراغ الجهد في تحقيق هذا الكلام ..
تقول : (فقيمة العدل أو الحرية أو المساواة مثلاً كيف ثبتت عندك أنها قيم يجمع كل عقلاء الأرض عليها ؟! )
وكيف حكمت أنت أنه لا يوجد ليبرالي جاد , وأن الليبراليين يختلفون في التطبيقات ؟!..هذه القيم لم تعرف فقط عن طريق المنهج الاستقرائي , وهو منهج أنت تستدل به كما تقدم , ولكنها معارف ضرورية ..هل تريد أن تقول العقلاء يتفقون على : الاستعباد , والظلم ؟! ..إذا افترضنا أن نفي الشيء إثبات ضده ؟! ..أم تريد القول أن ثمة عقلاء يرون "الظلم" و "اغتصاب" الناس ومصادرة حرياتهم ؟! أن هذه معارف ضرورية ..لولاها ما علم الإنسان حتى التشريع ..كيف تعلم أن الله لا يفعل القبيح ؟ بالنص ؟! كيف ثبت لك النص ؟! بالنص ؟! تستدل على الشيء بنفسه ؟! إذا ستقول بالعقل , وهذه المعارف ضرورية ..

تقول : (إن قلتَ إنك أحصيت عقلاء الأرض وأخذتَ إجماعهم عليها بنفسك , فأنت تتحدث عن محال لا يمكن القبول به ..
وإن قلتَ إن حجتك لإثباتها هو العقل , سيقال لك : وأي عقل هذا الذي يثبتها ؟!
هل هو عقلك أم عقول عقلاء الأرض جميعاً ؟!
إن قلتَ عقلك , فهو ليس حجة بذاته , إذ كيف تستدل بشيء أنت تستدل له ؟!
وإن قلتَ عقول عقلاء الأرض جميعاً , رجعت إلى المربع الأول .
وبهذا تكون وقعت بالدور والتسلسل ).
لا حول ولا قوة إلا بالله ..يا أخي الفاضل أنت قبل قليل تحكم على الليبراليين من واقع ((((الاستقراء)))) فهل أحصيت كل الليبراليين ؟! ومن قال لك أن منهج ((((الاستقراء)))) يعني أن تحصي كل العيينات التي تستقرؤها ؟! حينما تقص رأس خمس أشخاص , ويموتون ..هل ستقول : أن يموت باقي الناس من قطع الرأس غير صحيح ..لأنني لم أقم بقص رؤوس كل "الناس" !! ..الاستقراء يقوم على جمع العينات , ولأنه عقليا تقاس الحالة على شبيهتها يمكن لك الحكم انطلاقا من العينة ..وهذا أمر معروف في منهاج البحث العلمي والإحصاء ..ولكنك مرة تستدل بالاستقراء ..ومرة بالاستنباط ..ولعلك لا تفرق بينهما ..الاستنباط نتيجته متضمنة في مقدمته ..
مثل :
الإنسان يموت ,
محمد إنسان ,
النتيجة : محمد يموت
فمحمد أخص من عموم "الإنسان" وهو متضمن في المقدمة الأولى ..وبالتالي إذا خالفت النتيجة المقدمة يكون تناقض ..بينما الاستقراء ينطق من الخاص إلى العام ..والنتيجة أعم من مقدمتها ..ولا تتناقض معها ..وبالتالي مطالبتك أن أفحص كل عقلاء العالم ..هذا كلام غير منطقي , بل مؤلم أن يكتبه شخص مثقف مثلك ..والعقل الذي يثبت القيم هو العقل الضروري الذي يشترك به كل عقلاء العالم ..فكل العقلاء يدركون أن الضدين لا يجتمعان , وأن الجزء أكبر من الكل ..وأن الظلم قبيح ..والعدل حسن ..هذه معارف بديهية ..لولا وجودها لما أمكن مخاطبة البشر بالتشريعات الإلهية ..فالتشريعات تخاطب فيهم هذه المعارف العقلية الضرورية ..
وبالتالي الدور باطل هنا , والتسلسل ..إلا إذا كنت تعرف عاقل واحد في العالم يقول : الظلم حسن , والعدل قبيح ..والضدان يجتمعان ..والشيء يكون موجود وغير موجود ..والجزء أكبر من الكل ..
بل هذه حجج ( السفسطائيين) لا شيء ذو قيمة بذاته , ولا شيء يتفق على أنه أخلاقي ..
بل حتى القول بتعدد العقول , هل يغلي العقل ؟! أليس العقل من أقر هذه التعددية ؟! وهو الذي سيختار بين هذه العقول أو يرجح بينها ؟! هل اختلاف نتاج العقول , يؤدي إلى إلغاء العقل؟! أم على الجمع بين مقولات هذه العقول , وهو عمل عقلي ؟! ...ولو قرأت في أخلاق كل الشعوب ..لوجدت أن هناك قيم أصيلة تجمع البشرية عليها ,,لا يختلفون حولها ,,كقبح الظلم والاغتصاب ..وحسن العدل والحرية . وليس ثمة شعب في العالم صدرت حريته , وبقي تحت الاحتلال , ولم يقاوم للحصول على (حريته) , ولم يقل شعب من الشعوب .."الحرية" ليست قيمة أصيلة ..بل يختلف حولها العقلاء ..بين من يجيزها ومن يمنعها ..!
هذا الكلام يا أخي يحتاج وقفة طويلة منك ..وهذا لا يمكن أن يكون إلا إذا أدركنا أن الحوار , مصدر للفائدة والإثراء ..لا لمجرد النزاع والجدل ..والانتصار للذات ..!
تقول : (حتى قيم الليبرالية بتفاصيلها هي اجتهاد بشري أيضاً قابل للنفي والنقض .

فمثلاً لو قام أحد الليبراليين بالتحرر من بعض تفاصيل هذه القيم الليبرالية كالحرية والعدل والمساواة وحاول نفي أو نقض الجمع بينها , فهل سيـُقبـَل فعله ويبقى ليبرالياً ؟!

إن قلت لا , ناقضت كلامك أعلاه بأن الاجتهاد البشري قابل للنفي والنقض ..
وإن قلتَ نعم , اهتز عرش الليبرالية التي تقوم على هذه الأسس الأخلاقية التي يجمع كل عقلاء الأرض عليها على حد قولك ).
كيف تنقض قبح الظلم ؟! يأتيك شخص ويقول "الظلم" قبيح ..ماذا سترد عليه ؟! هل ستقول : طالما أنك تقول ذلك , فهذا كلام بشري ..قابل للنفي ..وبالتالي نفيك سيكون : لا ..الظلم والاغتصاب شيء جميل وحسن !! ..واذهب إلى أي بلد بالعالم ..وقل من يرى أن الحرية ليست قيمة أخلاقية وإنسانية ..وإن الاستعباد كذلك ..فليأتيني وسأحكم عليه بالسجن المؤبد , مصادرا حريته ..ولا يعترض لأن القول بأن "الحرية" قيمة أخلاقية ..أمر يمكن نقضه ..وبالتالي يمكن مصادرة حريته , والحكم المؤبد عليه ..وهذا سلوك أخلاقي ..والعقلاء لا يقولون بضده ! ..وأتحداك أن تجد عاقل بالعالم سيأتي لك , ويقول : صادر حريتي , واحكم علي بالمؤبد ..لأن الحرية التي يدعوّن أنها قيمة إنسانية مجرد كلام بشري .وسأثبت لهم أن الاستعباد ومصادرة الحرية ..هو مما يفعله العقلاء وأنا منهم ..
إذا وجدت شخص عاقل في العالم كله يقول بذلك ..ثق سأترك الليبرالية , وسأحرق شهادتي ..وسأسكن في الخبوب متعبدا ..وأبيع خضرة في سوق الجردة ..
من يفصل بين الحرية والعدالة ..يبقى ليبرالي ..لأن الحرية تتضمن العدل ..بينما العكس غير صحيح ..الحرية لا تستطيع بها أن تكون ظالما , لان الظلم سيصادر حق شخص آخر ..وهنا تعديت على الحرية عن طريق عدم تحقيق العدل ..بينما يمكن وجود العدل دون وجود الحرية ..مثل السجون , المساجين يعاملون بعدل , ولكنهم يفتقدون الحرية ..والناس تحت حكم الدكتاتور يفقدون الحرية ولكنهم يحظون بالعدل في ظلمه ..!
وبالتالي من لا يرى الحرية ..لا يكون ليبرالي , لما تقدم من حديثنا ..وهو ما ذكرناه مرارا وتكرارً ..ولكن عدم كونه ليبرالي , لا يعني مصادرة رأيه ذلك ..في نفي الحرية ..بشرط أن لا يتعدى ..فالتناقض لا يلزم ..وهذه مشكلتك تحاكم على لوازمك التي لا تلزم ..
الليبرالي يؤمن بالحرية التي تتضمن ضرورة "العدل" و "المساواة" ..من لا يرى الحرية ويرى العدل والمساواة ..يكون شخص آمن بقيم رفيعة , لكن الأصل وهي "الحرية" كمرتكز ليبرالي لم يؤمن به ..وبالتالي لا يوصف بذلك ..
تقول : (من خلال كلامك هذا أعتقد أن تعريفك السابق لليبرالية لم يكن دقيقاً أبداً , فأنت تفضلتَ بتعريف الليبرالية على أنها : " التحرر إلا من سلطة القانون "

وأنت بكلامك هنا كأنك تقول إن الليبرالية هي " التحرر إلا من سلطة القانون ( الليبرالي ) "

أي كأنك تقول إن القانون إذا كان غير ليبرالي , فلك أن تتحرر منه أما إن كان قانوناً ليبرالياً فليس لك أن تتحرر منه . وهذا حشو لا فائدة منه , إذ أن السلفية أيضاً تعني التحرر إلا من سلطة القانون ( السلفي ) , والشيوعية أيضاً تعني التحرر إلا من سلطة القانون ( الشيوعي ) وهكذا .

فما الذي يميز الليبرالية في تعريفك لها الذي أوردته في مداخلتك السابقة أخي العزيز ؟!

إن التعريف الذي تفضلتَ به لليبرالية تعريف عام عائم لا يمكن أن يميز الليبرالية ويحددها , بل يمكن لأي أحد أن يضعه تعريفاً للسلفية أو الشيوعية أو غيرها !

ولو اقتصرتَ في تعريفك لليبرالية على أنها ( التحرر ) فقط دون عبارة ( إلا من سلطة القانون ) , لكان أجدى ) .
هذا ما كنت أدركه ..أنك لا تقرأ كلامي جيداً..أين قلت : (التحرر إلا من سلطة القانون ( الليبرالي ) ) ؟!! وأين قلت : (أما إن كان قانوناً ليبرالياً فليس لك أن تتحرر منه ) ؟!
فأنا قلت : (فأنت تحت القانون الإسلامي المتطرف , تدعوا إلى قيمك الأصيلة من "حرية" و "عدالة " ومساواة" ..فإن صادر القانون حقك في التعبير , فهو معتدي ..وردك له حق تضمنه لك كل الأديان والشرائع ...فأنت تبدأ بتطبيع قيمك في المجتمع , ثم يكون السلوك لاحقا ..وهو ما فعله النبي في المرحلة المكية ..وهذا ما يسمى بالطب النفسي إزالة التحسس , بدلا من العلاج بالغمر ..أي المواجهة الشاملة ..كل قانون يصادر حقك في التعبير , هو قانون يفتقد الشرعية ..إلا إذا كنت ترى شرعيته ..فهذا شانك الخاص ..وكذلك لو وجد الليبرالي في مجتمع شيوعي , يدعوا إلى قيمه , ولكن بشكل "سلمي" إذ لو استخدم القوة , فسينقض "ليبراليته" ..فإن منع من التعبير "السلمي" فهذا تعدي عليه ..وتسقط شرعية القانون حينئد ..) ..!
أنا حديثي حول "القيم" التي تحملها الليبرالية , وضابط تطبيع هذه القيم , وعدم التعدي في ذلك , أنت تحت القانون الليبرالي , لك الحق في نقده , ولا أحد يعترض عليك , بشرط عدم التعدي , وفرض توجهك بالقوة ..فكيف لا يجوز لك تجاوز القانون الليبرالي ؟! ثم السلفي يرى فرض رأيه , لأنه ينطلق من بعد (عقدي) والبعد العقدي لا يقبل التعددية , لان قبول التعددية , يتعارض مع الجزم ( بوحدانية) الحقيقة التي يمتلكها هذا المعتقد ..وبالتالي هو يحول السياسة والاقتصاد إلى أمور دينية , يكون نقدك لها , نقد للدين عنده ..بل حتى موقفه من السلفي الآخر الذي ينطلق من قراءة مغايرة للنص , هو موقف معادي , لأنه في حكم ( المبتدع) عنده ..ولأنه لا يتصور وجود قراءة أخرى تنافسه على قراءة النص ..فلا يوجد في الأدبيات السياسية الإسلامية أي ضمانات على تعدي نظام الدولة السلطاني على المخالفين والأقليات ..على العكس من النظام الليبرالي الذي يشكل احترام الآخر وحفظ حقوقه الركن الركين بها ..
التحرر تحدثت عنه حتى تعبت ! ..قلت لك كل تحرر بلا قانون فوضى , وكل قانون بلا حرية لا قيمة له ..
تقول : (عفواً , أنت هنا تتحدث عن السلفية بلغة الخصم وعليه فكلامك عنها ليس بحجة .

أما فيما يتعلق بحديثك عن الليبرالية وأنها تعول على الفرد وحريته وتنظم وتمأسس لهذه الحرية , فهذا قد ينطبق أيضاً على السلفية ( كمفهوم مجرد وليس كتطبيقات ) ولكن السلفية تقول إنها تعول على الفرد وحريته " المنضبطة بضوابط النص أو الشرع " على حد وصفهم .

نعم هناك فوارق كبيرة بين السلفية والليبرالية ( الغربية ) في جانب التطبيقات لهذه الحرية , سببها وجود النص عند السلفية وانعدامه في الليبرالية .
كذلك أعتقد أن من أهم أسباب وجود الفوارق أيضاً الواقع المتخلف للبلدان العربية والإسلامية . فالمنطقة العربية والإسلامية ( حيث تتركز السلفية ) تقبع تحت واقع متخلف وبيئات في معظمها جافة جعلت من الإنسان الذي يعيش فيها حاداً قد تغلغلت فيه الحدية في الرأي وإقصاء المخالف . والدليل على ما أقول هو واقع الليبراليين العرب , إذ أن معظمهم لا يختلف كثيراً عن الإسلاميين المتطرفين ولكنه على الطرف الآخر .
ولهذا كنتُ أتمنى لو وُجد تيار سلفي أصلي نشأ في الغرب – وليس تيارات سلفية مستوردة كما هو حاصل الآن – لنحاول المقارنة . مع يقيني أنه مهما زادت نسبة حرية الفرد عند السلفية فلن تصل إلى مثيلتها عند الليبرالية لأن السلفية محكومة بنص بخلاف الليبرالية ).
ما رأيك أن أقول وأنت تتحدث عن الليبرالية بلغة الخصم ,,وكلامك ليس بحجة ؟!..يا أخي الحجة في منطقية الكلام , لا في موقف قائله ..وإلا انتهى الحوار معك أصلا ..طالما كلانا يمثل مدرسة مختلفة ..ولن ننتهي بشيء , لأن كل شخص لا يملك حجة ..فقط لأنه من مدرسة أخرى ..! ولماذا لم يقل المشركون للنبي ذلك , كلامك لا يقبل عن ديننا , لأنك خصم ! ..ولم يقل القرآن لم يثيرون الشبهات الشركية ..لن نرد عليكم , لأنكم خصوم ..وكلامكم ليس بحجة .!
يا أخي ,,الليبرالية لها تمظهراتها الواضحة ..وكل البلدان المتقدمة جامعها الليبرالية , وفيها سيادة القانون ..من عهد النبي إلى اليوم ..أين تشكلت قيمة الإنسان ؟! الذي ينحر يوم العيد ؟! أو بفتوى من الأوزاعي ؟! أين هذه القيم يا أخي ؟! ..ونحن أمام تاريخ طويل من الاستبداد والتخلف والرجعية ؟! كل شخص يدعي ( القيم المجردة) ولكن القيم التي ( لا تتجسد ) على الأرض لا قيمة لها ..لها حكم المعدوم .. القيم التي لا تقيم دولة القانون , والإنسان ..قيم فارغة , لا تصلح إلا للنشيد الصباحي , أو حكايا ما قبل النوم ..الدعاوى سهلة , ولكن التطبيق هو الذي يحسم الواقع ..لماذا كل السلفيات على اختلاف توجهاتها فشلت في بناء الحرية وسيادة القانون ورفع قيمة الفرد ؟! ..
عزيزي , الجلافة والبيئة أمور لا علاقة لها بالفكر والشخص ..ففي البادية حكماء وشعراء يذوبون رقة ..وفي الغرب خرج هتلر وموسليني , واليمين المتطرف ..ثم أنت مشكلتك تتحدث وتقارن في المجهولات ..فتنفي وجود ليبراليين وأنت تجهل معنى الليبرالية ..ثم تقرر أن البيئة تلعب دور في تشكيل الذهنية السلفية , بدليل لو وجد في الغرب تيار سلفي لكان ثمة فرق ..كيف علمت أنه سيكون هناك فرق لو وجد ؟! لماذا لا يكونوا مثل هؤلاء ؟!

نرجع على سالفة (النص) يا مولانا ..أي نص ؟! من يفهمه ؟! من ينزله على الواقع ؟! ..الرسول يقول لصاحبي إذا أتيت قوما فا تنزلهم على حكم الله فإنك لا تعلم أتصيب فيهم حكم الله أم لا , وإنما أنزلهم على حكمك ..وهو صاحبي شهد التنزيل ..النص كلن يرفعه كقميص عثمان ..النص يقرأه العقل , ويوجهه ..فالعقل حاكم وليس محكوم بالنص ..فلماذا أعيد الحديث يا أخي ؟!

تقول : (عفواً لم أفهم !
كيف يكون الإنسان غاية وليس هدف ؟!

عموماً :
الليبرالية لا تكفل حق التعبير فقط بل حتى حرية الفعل , ولهذا لو كان هناك قانون يمنع فعلاً من الأفعال ليس فيه تعدٍ كالمثلية مثلاً فهل تعتقد أن هذا القانون قانون متعدي ؟!
إن قلتَ : لا , فأنت تناقض كلامك ..
وإن قلتَ : نعم , فأنت تشرعن ما يستقبحه العقل عند جميع عقلاء العالم ).

عفوا قصدت غاية وليس وسيلة ..يا مولانا يعني لم تجد في الدول المتقدمة بمستشفياتها وتقنيتها ومراكز أبحاثها , وسلطة القانون , وفصل السلطات ..واحترام الحقوق ..إلا ( المثلية ) ؟!
حسناً , هل المثلي يحتاج قانون ليمارس مثليته ؟!
وهل من هو غير مثلي , عفيف لأن القانون لا يسمح له , ولو سمح له , لصار شاذا ؟!
في كل البيئات المتخلفة , التي تغلق أبواب حماماتها عن اللوطية , يمارس الشذوذ , وهناك شوارع تعرف لذلك حتى في بريدة ! ..مع أن القانون والدين يمنع ..
لو صدر قانون يجيز المثلية ..لن يتغير شيء ..لن يزيد عددهم ولا واحد , ولن ينقص ..فقط سيظهر على السطح ..القانون يضبط ظهور الظاهرة على السطح ويخفيها ..لكن وجودها وعدمها ليس في يد القانون ..
وبالتالي الليبرالي لا يدعو للمثلية الجنسية ..هو يدعوا للحرية ..شخص يستخدم هذه الحرية للمثلية ..وشخص آخر يستخدمها لمهاجمة المثلية ..لا علاقة لليبرالي بذلك ..طالما لا يتعدى أحدهما على الأخر ..
المسلم في الغرب يملك الحرية أن يشرب ويذهب للمرقص ..ولكنه لا يفعل ..لماذا ؟! لأن الحرية لا تقودك للمرقص , ولا تمنعك منه ..وإنما هذا يكون تبعا لإرادتك ..
أنت تعطي "س" من الناس الحرية , ويذهب ليصلي , تعطي "ص" ذات الحرية ولا يصلي ..المشكلة ليست في (الحرية) وإنما في الشخص ..
الارداة لا يمكن منعها ..أنت تمنع المراقص بالشرقية , لكن كل نهاية أسبوع أكثر من 40 ألف شاب يغارون للبحرين ..ويضاجعون البغايا , وينقلون الايدز لذريتهم وأزواجهم ..بينما في الغرب . يدركون أن الإرادة لا تمنع , فيرتبكون أقل الضررين يوفرون هذه الأماكن , ولكن برقابة صحية صارمة ..
وعلى أيه حال حقوق المثلية مازالت موضوع أخذ ورد في الغرب ..ولكن كما قلت لك ..السماح بها وعدمه , لا يغير من واقعها شيء ..وبالتالي لا يوجد ليبرالي يدعوا لها حتى تقول يدعون لما هو مستقبح ..من يدعوا لها هو شخص (استخدم الليبرالية) كما أن من وقف ضده شخص ( استخدم الليبرالية) ..
تقول : (أولاً : كيف يجمع عقلاء الأرض على متناقضين كالعدل والمساواة ؟!
إن المساواة في بعض الأحيان ظلم وليست عدلاً , فالمساواة التامة في الحقوق والواجبات بين جميع بني البشر دون اعتبار لجنس أو لقدرة جسدية أو عقلية هو في حقيقة الأمر ليس من العدل ولا العقل في شيء .

ثانياً : إني أجد في حديثك الجميل هذا ما يتناقض مع المنطق , إذ كيف تقول إنه لا يحق لك كليبرالي أن تنقلب على القانون لتلزمني بمبادئ نبيلة وأنت تقول إن القانون ( غير الليبرالي ) الذي لا يسمح لك بالتعبير هو قانون متعدي وساقط الشرعية وبالتالي يجوز التحرر منه ؟!
أليس هذا انقلاب على القانون , أم أن الانقلاب لابد أن يكون انقلاباً عسكرياً ؟!
ثم لنفترض جدلاً أن ليبرالياً عربياً حكم بلداً من البلدان وحكمه بالقانون الليبرالي , فهل سيقبل بوجود أناس يطالبون بالتحرر من هذا القانون ؟!
نظرياً أعتقد أن سيقبل بهذا " على مضض " , بينما على أرض الواقع فأشك كثيراً أن يفعل ذلك والسبب برأيي هو ما ذكرتـُه لك في تعليق سابق ) .
أخي قلت لك الحرية تتضمن العدل ..فكيف يكون التناقض ؟! المساواة في الحقوق ليس فيها ظلم , بل مغالطة منطقية أن تكون المساواة تقتضي الظلم ..!يا مولانا ما علاقة قولي : (إنه لا يحق لي كليبرالي أن تنقلب على القانون لتلزمني بمبادئ نبيلة ) ..بقولي : (وأنت تقول إن القانون ( غير الليبرالي ) الذي لا يسمح لك بالتعبير هو قانون متعدي وساقط الشرعية وبالتالي يجوز التحرر منه ؟! ) ..أين التناقض في هذا الكلام ؟! أقول مهما كانت مبادئي نبيلة (((( لا يحق)))) لي أن (( ألزمك)) بها ..ثم أقول من يتعدى عليك ساقط الشرعية ؟ فأين التناقض ؟!
لو قلت يجب علي أن ألزمك بقيمي , لكان هذا متعارض مع وصفي للقانون الذي يتعدى على حريتي بساقط الشرعية .لأني حينما ألزمك أتعدى عليك مثل القانون ..
وكلامي جداً واضح ..!!!!!
يا أخي يا أخي يا أخي القانون ضابط ضابط ضابط ضابط ..ليس قيمة في حد ذاته ..أنت وأنا وهو وهي ندعوا لما نريد من قيم تحت القانون ..تعدى القانون على أي منا نحن ضده . تعدى أحد منا على الآخر نحن والقانون ضده ..
نعم يحق لأي شخص أن ينتقد النظام الليبرالي داخل النظام الليبرالي .وهذا موجود في كل البلدان الليبرالية ..لكن لا يكون نقدك تعدي وإلزام ومصادرة لحريات الناس , في التعبير والرد عليك ..
هذا الكلام بينته كثير وكثير جدا ..فلماذا نعيد الحديث في هذه المسألة ؟!!
كونه يقبل بمضض أو لا يقبل لا يهمنا ..المهم أنه يكون

تقول : (دعني أعطيك أمثلة أخرى غير المظاهرات ولنفترض أن أحد البريطانيين حاول التحرر من سلطة قانون يمنع التعرض إلى الملكة ( the queen ) ثم بدأ ينقدها نقداً لاذعاً أو حاول التحرر من سلطة قانون يمنع التشكيك في محرقة اليهود مثلاً فبدأ يتحدث عن ذلك أمام الملأ وفي الإعلام المرئي والمقروء , ثم قام شخص آخر ومنعه من ذلك .. فهل ننفي الليبرالية عن أحد الشخصين وخصوصاً الشخص الثاني ؟!
إن قلت : ننفي عن الأول ليبراليته ونثبتها للثاني , فقد وقعت في التناقض إذ أن الأول يرى أن القانون الذي يمنعه من نقد الملكة أو من التشكيك في محرقة اليهود هو قانون متعدي ساقط الشرعية ..
وإن قلت ننفي عن الثاني ليبراليته لأنه يريد أن يفرض رأيه بالقوة , فأنت تتهم دولاً ليبرالية غربية بأنها ليست ليبرالية ).
أنت هنا ترتب لازما لا يلزم..لا الثاني الذي يصادر حرية الأول ليس ليبرالي ..ولكن من قال أن كل بريطانيا كذلك , وتمنع من يقول هذا الكلام ؟! ثم نفترض أن ثمة هنات في الممارسة الليبرالية في بلد , هل ينفي ذلك ليبراليته ؟! نحن ننفي سلوك معين على أنه سلوك غير ليبرالي , لكن لا يستلزم ذلك إسقاط كل الدولة الليبرالية .. ولهذا قلت لك الدولة الليبرالية لا تعارض حتى من يحاول نقضها فكريا من داخلها ..وهذا الذي يجعلها فكرة حيوية , ومرنة ..لكن الضابط هو القانون حتى لا يكون هناك تعدي ..

تقول : (صحيح , النصوص بحد ذاتها لا تحكم ولكن يظل وجود ( النص ) عند الإسلامي يستند عليه ويرجع له يجعله مختلفاً عن الليبرالي الذي لا يستند على نصوص ولا يرجع إليها .

وبالتالي تظل المقارنة بين الليبرالية والإسلام مقارنة غير عادلة إذ مجرد وجود نص عند طرف وانعدامه عند الطرف الآخر يجعل المقارنة غير عادلة) .

الجواب : لا تــــــــــــعليق ..!!!

تقول : (ألا ترى أنك هنا تتحدث بلغة وقطعية تشبه قطعية السلفيين ؟!

ثم من قال إن هذه القيم من الله ؟!
هل التحسين والتقبيح العقلي هو الذي تستدل به على أن هذه القيم من الله ؟!
طيب حتى لو افترضنا أن هذه القيم ( المجردة ) من الله بناءً على التحسين والتقبيح العقلي , فهل ( تطبيقاتها ) أيضاً من الله ؟!
إن قلتَ إن القيم ( المجردة ) هي التي من الله بينما تطبيقاتها اجتهادات بشرية , فقد تشترك السلفية مع الليبرالية في تبني هذه القيم ولكن سيختلفان في التطبيقات .
فعلى أي شيء سنستند عند الحكم والمقارنة بين الليبرالية والسلفية ؟!
هل سنستند على العقل فقط أم على النص باستخدام العقل ؟! )
الوثوقية من باب الإلزام ليس إلا ..هذه قيم أصيلة , زرعها الله كما تقدم كمعارف ضرورية , والنص الخام نص من الله ..وطالما أن تطبيق هذه القيم , أو النص , اجتهاد بشري ..إذن كل حديثك عن الاتكاء على النص لا قيمة له ..لأن التفاضل بين فكرين بشريين وليس بين إلهي وبشري ..وإن قلت بالمصدر الإلهي للنص , قلنا بالمصدر الإلهي لهذه القيم ..وبالتالي الحكم للعقل , وللتجربة التاريخية والواقعية ..قارن واقع الدول السلفية بالدول الليبرالية ..
والحديث عن التحسين والتقبيح تقدم ..

تقول : (وهل ينطبق هذا الكلام على من يتعدى – سلمياً – على القوانين التي تمنع التشكيك في محرقة اليهود أو تمنع التعدي على يسوع عليه السلام أو على الملكة أو القانون الذي يمنع التزاوج المثلي مثلاً ؟! )
لا يوجد شيء أسمه تعدي , أنت تعطي رأيك , وكل شخص يجب عليه أن لا يصادره ..وجود هنات في الممارسة الليبرالية في بلد ..لا ينفي ليبراليته ..ولكن مشكلة البعض ينطلق من : ( إما كل شيء أو لا شيء) إمام كل شيء ليبرالي , أو لا شيء ليبرالي ..هذه الهنات تعالج ليبراليا ولا يمكن معالجته إلا بذلك ..

تقول : (ومن قال إن الليبرالي لا يفرض رأيه على الآخر ؟!
إن الليبرالي حينما يحكم فهو يفرض رأيه على من هم دونه ولكنه في قرارة نفسه يعتقد أنه لا يفرض شيئاً على الآخرين لأنه يظن أنه يطبق ما قد أجمع عليه جميع عقلاء العالم وبالتالي من يعارضه فهو مجنون أو لاشيء .. وهذا الفعل شبيه بفعل التكفيري من جهة المبدأ إلا أن الفرق بين الاثنين أن الليبرالي لا يستند في فعله على نصوص إلهية مقدسة بينما التكفيري يزعم أنه يحكم باسم الله ونيابة عنه .
مع أنك وانا اخوك كأن ودك تصير مثلهم يوم قلت إن قيم الليبرالية من الله )
يا مولانا ..حينما قلت هذه القيم من الله , هل قلت يجب فرضها , أم لا يحق لي فرضها عليك مهما كانت نبيلة ؟!! يا أخي , أنت تحاكمني على لوازم لا تلزم ..وكلام كررته مرارا ..فقد سألتني في المرة السابقة : وش الفرق بينك وبين التفكيري _ياليته تفكيري_ أقصد التكفيري ؟! ..قلت لك : أنا لا ألزمك بما أرى حتى لو قلت هو من الله ..بينما التكفيري يعتدي ويستحل دمك ..ولو لم يفعل ذلك لاحترمت وجهة نظره ..وقاتلت عنها ..لقد قلت هذا وبينته في ردي السابق ..ولكن يا أخي لعلك تقرأ حتى ترد لا حتى تفهم ما أقول ..!

تقول : (أنا أدرك دلالة النص بالعقل طبعاً , ولكن – عفواً – ليس هذا هو ما تقوله لأن الليبرالي لا يمكن أن يعتمد على النص المقدس أصلاً وإلا فلن يكون ليبرالياً .
إلا إن كنتَ تقول إن الليبرالية تعني التحرر إلا من النصوص , فهذا شأن آخر ).
لا يعتمد عليه أين ؟! الرئيس الأمريكي زعيم إمبراطورية الليبرالية , كل أحد يحمل الإنجيل في الكنيسة ومعه زوجته ..الليبرالي ليس ملحد يا أخي ..الليبرالي ينطلق من حرية الإنسان , وينطلق من قيم تقدم الحديث عنها ..ومرجعيته العقل , وهو مقدم على النقل ..وبالتالي هو حاكم على النص لا محكوم به وهذا التحرر , إن كانت لا ترى ذلك ..وترى أنه لا بد أن يكون ملحدا ..فهذا شأن آخر ..لاسيما أن فتاوى التكفير قائمة هذه الأيام على قدم وساق ..!

تحياتي للجميع / الحميدي

--------

في البداية أحييك أخي الحميدي العبيسان وأحيي جميع الأخوة الزملاء هنا وأود أن أقول لك وللجميع بأني كنتُ ومازلتُ أحفل بهكذا حوارات لما فيها من الفوائد الجمة على الأقل لي شخصياً , كما أود أن أقول لك أخي الحميدي بأني سعدتُ وأسعد وسأسعد بالحوار معك ومع جميع الزملاء حتى وإن اختلفنا في الأفكار .

ولأن الحوار قد شارف على الانتهاء أجدني مضطراً لتوضيح بعض النقاط التي ربما كان يلزم توضيحها من قبل , فأقول :

أولاً :

أنت صنفتني على أنني سلفي ربما منذ البداية ( وهذا واضح من خلال لغتك في الحوار ) مع أنني لم أصرّح أبداً بأنني سلفي . ولكن يبدو أنك أيضاً فهمتني بشكل خاطئ ( كما فعلتَ في أكثر من مناسبة سأذكر لك نماذج منها بعد قليل ! ) .

فأنا كتبتُ مقالي الأول الذي يقارن بين السلفية والليبرالية لأوضح أننا كنا ومازلنا غارقين ومتشبثين بالمصطلحات دون تغييرات واضحة في الممارسات حتى وصل بنا الأمر إلى التنصل من مصطلح السلفية بصفته وصمة عار إلى المصطلح الجديد " الموضة " الليبرالية , مع بقاء الممارسات على حالها تقريباً .

هذا كان هدفي من ذلك المقال . فعلقتَ عليه – مشكوراً – مدافعاً عن الليبرالية ومهاجماً السلفية , فاضطررتُ إلى أن أنحاز إلى الطرف الآخر ( السلفية ) من أجل إعمال توازن في الحوار معك ولأجل تبيان حقيقة الليبرالية من خلالك بصفتك ممثلاً لها هنا .

مع أني لا أراك ليبرالياً في الحقيقة ( بحسب معرفتي لليبرالية الغربية ) , بل أجدك أقرب إلى الاعتزال منك إلى الليبرالية .

فأنت تعتقد بالرجوع إلى النص المقدس ( القرآن على الأقل ) وتؤمن أنه من الله , ولكنك تقرؤه – أي النص – قراءة عقلانية صرفة فتغلـّب أو تقدّم العقل على النص ( وأظنك صرحتَ بذلك في تعليقك الأخير ) .

وهذه أقرب إلى طريقة المعتزلة المسلمين ( العقلانيين ) منها إلى الليبرالية الغربية التي قامت منذ بداياتها على التحرر من النص المتمثل بالكنيسة ورجال الدين حتى وصلوا إلى التحرر من الموروث المسيحي والفكر الكهنوتي ككل ( أي لم يعد للنص سلطة على الفرد ) .

وبالمناسبة :

لا أؤمن بصحة تلك العبارة التي تقول : " تقديم العقل على النقل " , لأنك إما أن تعتقد بالنقل ( النص ) ابتداءً فتفهمه بالعقل بالضرورة , أو لا تعتقد بالنقل أساساً .

وبصيغة أخرى إما أنك تؤمن بصحة النقل ابتداءً معتمداً بذلك على العقل , أو لا تؤمن بالنقل أبداً ( وجوداً أو ثبوتاً ) .

أما أن تقول إنك تؤمن بالنقل ( النص ) ثم بعد ذلك تقول إنك ستقدّم العقل عليه , فأنت في الحقيقة تسفسط !
إذ أنه لا فائدة من قولك إنك تؤمن بالنص وأنت تلغيه باعتمادك على العقل مستقلاً عنه .

فإما أن تؤمن بالنقل وتفهم معناه بالعقل منضبطاً بضوابط لغة النص ومعانيها , أو أن تؤمن بالعقل مستقلاً دون الرجوع إلى النص أصلاً . إلا إذا كنتَ التعلق من باب الاستئناس وإقناع الطرف الآخر الذي يؤمن بالنص , فهذا أمر آخر .

عموماً , ليس هذا هو موضوعنا ولكني استطردت لبيان أننا – كما قلتُ سابقاً – نعيش فترة من الفوضى الفكرية والتداخل بين المصطلحات – حتى المتضادة منها –

ولهذا أقول :

علينا إما أن نتجاهل المصطلحات ( كمصطلح الليبرالية مثلاً ) ولا نستخدمها , أو أن نستخدمها بشرط تعريفها وبيان مفاهيمها ودلالاتها .

أما أن تـُستخدم المصطلحات ثم إذا سألنا مستخدميها عن معاني ودلالات هذه المصطلحات التي ينتسبون إليها قالوا : دعوا عنكم الدال وانظروا إلى المدلول , فهذا عبث .
ثانياً :

يبدو أن الحوار فيه حلقة مفقودة , فأنت تقرأ كلامي فتفهمه بشكل خاطئ ثم تعلق عليه بعد ذلك وبالتأكيد سيكون تعليقك خاطئاً لأنه اعتمد على فهم غير صحيح .
وقد أكون أنا أفعل نفس الشيء , وإن كنتُ أزعم عكس ذلك .

ولكن لتأكيد كلامي , سأذكر لك أكثر من نموذج على ذلك :

1- تقول :
بل إنك تقع في تناقض عجيب , فتقول : (مع تحفظي على وجود ليبراليين جادين في المشهد السعودي . )
لماذا تتحفظ على وجود ليبراليين ؟! إلا أن يكون لديك تعريف لهذا المصطلح الذي حاكمت عليه وجود وعدم وجود ليبراليين في السعودية ؟!
إن مكمن فهمك الخاطئ لكلامي هو أني تحفظت على وجود ليبراليين ( جادين ) , وأنت فهمتَ أنني أتحفظ على وجود ليبراليين .

وسبب تحفظي على وجود ليبراليين ( جادين ) هو عدم وجود توضيح وبيان منهم للمصطلح . فالشخص الجاد يحرص على بيان المصطلح الذي يـُنسب له ويحرص على تصحيح المفاهيم المغلوطة عن المصطلح الذي ينتمي إليه .

يعني سوء الفهم يكمن بتركيزك على عبارة : " وجود ليبراليين " وعدم انتباهك لكلمة : " جادين " إذ النفي للجدية وليس للوجود .

أرجو أن يكون كلامي قد اتضح الآن .

2- تقول :
تقول : (حتى قيم الليبرالية بتفاصيلها هي اجتهاد بشري أيضاً قابل للنفي والنقض .

فمثلاً لو قام أحد الليبراليين بالتحرر من بعض تفاصيل هذه القيم الليبرالية كالحرية والعدل والمساواة وحاول نفي أو نقض الجمع بينها , فهل سيـُقبـَل فعله ويبقى ليبرالياً ؟!

إن قلت لا , ناقضت كلامك أعلاه بأن الاجتهاد البشري قابل للنفي والنقض ..
وإن قلتَ نعم , اهتز عرش الليبرالية التي تقوم على هذه الأسس الأخلاقية التي يجمع كل عقلاء الأرض عليها على حد قولك ).
كيف تنقض قبح الظلم ؟! يأتيك شخص ويقول "الظلم" قبيح ..ماذا سترد عليه ؟! هل ستقول : طالما أنك تقول ذلك , فهذا كلام بشري ..قابل للنفي ..وبالتالي نفيك سيكون : لا ..الظلم والاغتصاب شيء جميل وحسن !! ..واذهب إلى أي بلد بالعالم ..وقل من يرى أن الحرية ليست قيمة أخلاقية وإنسانية ..وإن الاستعباد كذلك ..فليأتيني وسأحكم عليه بالسجن المؤبد , مصادرا حريته ..ولا يعترض لأن القول بأن "الحرية" قيمة أخلاقية ..أمر يمكن نقضه ..وبالتالي يمكن مصادرة حريته , والحكم المؤبد عليه ..وهذا سلوك أخلاقي ..والعقلاء لا يقولون بضده ! ..وأتحداك أن تجد عاقل بالعالم سيأتي لك , ويقول : صادر حريتي , واحكم علي بالمؤبد ..لأن الحرية التي يدعوّن أنها قيمة إنسانية مجرد كلام بشري .وسأثبت لهم أن الاستعباد ومصادرة الحرية ..هو مما يفعله العقلاء وأنا منهم ..
إذا وجدت شخص عاقل في العالم كله يقول بذلك ..ثق سأترك الليبرالية , وسأحرق شهادتي ..وسأسكن في الخبوب متعبدا ..وأبيع خضرة في سوق الجردة ..

أنا أتحدث عن ( تفاصيل ) وأنت تردّ عليّ بالحديث عن ( كليات ) وقيم مجردة !!

أنا أقول إن ( تفاصيل ) القيم الليبرالية المجردة هي اجتهاد بشري وعليه فإنها قابلة للنفي والنقض .
فما بالك تتحدث عن القيم الليبرالية ( الكلية المجردة ) ؟!

هل أنت متأكد أنك قرأت كلامي جيداً , أم أن ردودك جاهزة قبل أن تقرأ كلامي ؟!

3- تقول :
تقول : (من خلال كلامك هذا أعتقد أن تعريفك السابق لليبرالية لم يكن دقيقاً أبداً , فأنت تفضلتَ بتعريف الليبرالية على أنها : " التحرر إلا من سلطة القانون "
وأنت بكلامك هنا كأنك تقول إن الليبرالية هي " التحرر إلا من سلطة القانون ( الليبرالي ) "
أي كأنك تقول إن القانون إذا كان غير ليبرالي , فلك أن تتحرر منه أما إن كان قانوناً ليبرالياً فليس لك أن تتحرر منه . وهذا حشو لا فائدة منه , إذ أن السلفية أيضاً تعني التحرر إلا من سلطة القانون ( السلفي ) , والشيوعية أيضاً تعني التحرر إلا من سلطة القانون ( الشيوعي ) وهكذا .
فما الذي يميز الليبرالية في تعريفك لها الذي أوردته في مداخلتك السابقة أخي العزيز ؟!
إن التعريف الذي تفضلتَ به لليبرالية تعريف عام عائم لا يمكن أن يميز الليبرالية ويحددها , بل يمكن لأي أحد أن يضعه تعريفاً للسلفية أو الشيوعية أو غيرها !
ولو اقتصرتَ في تعريفك لليبرالية على أنها ( التحرر ) فقط دون عبارة ( إلا من سلطة القانون ) , لكان أجدى ) .
هذا ما كنت أدركه ..أنك لا تقرأ كلامي جيداً..أين قلت : (التحرر إلا من سلطة القانون ( الليبرالي ) ) ؟!! وأين قلت : (أما إن كان قانوناً ليبرالياً فليس لك أن تتحرر منه ) ؟!

وهل قلتُ إنك قلتَ ؟!

عبارتي بالنص كانت : " كأنك تقول إن الليبرالية هي " التحرر إلا من سلطة القانون ( الليبرالي ) "

ركز على كلمة : " كأنك " وأظنك تعلم أن كلمة " كأن " تعني التشبيه ولا تعني الحقيقة .

ثم أكدتُ أيضاً على كلمة : " كأنك " مرة أخرى .

فهل عندما أقول ( كأنك ) تقول كذا وكذا يعني أني أقوّلك هذا الكلام بالنص ؟!

أرجو أن تتأمل كلامي جيداً قبل أن ترد عليه .
وقد كنتُ أتمنى لو أنك لم تتهمني بأني لا أقرأ كلامك جيداً لأن ذلك لم يثبت بل الذي ثبت هو العكس .

4- تقول :
تقول : (أولاً : كيف يجمع عقلاء الأرض على متناقضين كالعدل والمساواة ؟!
إن المساواة في بعض الأحيان ظلم وليست عدلاً , فالمساواة التامة في الحقوق والواجبات بين جميع بني البشر دون اعتبار لجنس أو لقدرة جسدية أو عقلية هو في حقيقة الأمر ليس من العدل ولا العقل في شيء .

أخي قلت لك الحرية تتضمن العدل ..فكيف يكون التناقض ؟! المساواة في الحقوق ليس فيها ظلم , بل مغالطة منطقية أن تكون المساواة تقتضي الظلم ..!

لا حول ولا قوة إلا بالله !
أنا أسأل مستنكراً كيف يجمع العقلاء على متناقضين كالعدل والمساواة .. وأنت تستنكر عليّ وتقول إن الحرية تتضمن العدل فكيف يكون التناقض !!!

يا عزيزي :

هل أنا قلتُ إن هناك تناقض بين الحرية والعدل حتى تقول لي إن الحرية تتضمن العدل وبالتالي لا تناقض بينهما ؟!

أنا ما جبت طاري الحرية في كلامي أعلاه ولا قارنتها بالعدل , فمن أين فهمتَ كلامي أخي الكريم ؟!

هذه أربع أمثلة على فهمك الخاطئ وعدم قراءتك لكلامي جيداً , ولم أكن أتمنى أن يحدث سوء الفهم هذا ولكن يبدو أن هذا الشيء من لوازم الحوارات !

وإليك نقطة خامسة أعتقد أنه من الضروري التوقف عندها وتصحيح معلوماتك حولها , إذ هو خطأ لم أكن أتوقع أن يصدر من مثقف مثلك !

5- تقول :
معايير علم الحديث بشرية , ولكن ثبوت القرآن إلهي ..!
فكيف تطبق معايير السند على القرآن ..هل أنت بحاجة إلى توثيق الله وجبريل ومحمد ..حتى يكون سند القرآن صحيح ؟! ..ثم هذا القرآن لم يأتي فيه ما يخالف العقل ..وهو نص معجز ثبت أنه من الله ..ونقله الآلاف عن الآلاف عن الآلاف ...وتعهد الله بحفظه ..فكيف يقاس على الحديث ؟!
وبالتالي أي تناقض أقول به ؟! هل القول أن مصدر القرآن إلهي , يتعارض مع القول أن مصدر الحديث بشري ؟! هل القول أن القرآن نقل بالتواتر , مثل القول أن حديث آحاد نقله شخص عن شخص ؟!
أين التناقض ؟! إلا إذا كنت ترى أن ثبوت علم الحديث مثل ثبوت القرآن فهذا شأن آخر ..وإذا كان محمد عن جبريل عن الله ..مثل سند رجال البخاري فهذا شأن آخر ..أما ماعدا ذلك ..فالقول بالتناقض أمر غريب وعجيب ,,ويفتقد إلى استفراغ الجهد في تحقيق هذا الكلام ..

كيف يعني ثبوت القرآن إلهي ؟!
هل تعني أن رواته هم فقط قال محمد حدثنا جبريل قال حدثنا رب العالمين ؟!
هل أنت فعلاً تعتقد أن سند رواية القرآن هو هكذا فقط وليس فيه غير هؤلاء ؟!
هل أنت جاد فيما تقول أم أنك تريد أن تنقض كلامي وكفى ؟!

القرآن يا أخي العزيز جاءنا عن طريق السند المتواتر كما جاءتنا بعض الأحاديث النبوية .
فكيف أصبحت معايير ثبوت الحديث بشرية ومعايير ثبوت القرآن إلهية ؟!
سبحان الله !

وبعدين إذا كان سند القرآن عندك هو محمد عن جبريل عن الله , فسند الحديث الصحيح برضه محمد عن جبريل عن الله .

ولكن سندك هذا لم يستشهد به أحد لإثبات القرآن بل أنت أول واحد يستشهد به .

أما قولك بأن الله تعهد بحفظه , فأين تعهد الله بحفظه ؟

أظنك ستقول لي : إن الله سبحانه وتعالى قال ذلك في القرآن .

طيب : لو قيل لك وما الذي يثبت أن هذا القرآن كلام الله ؟

هل سترجع وتستدل بالآية وتقع في الدور , أم ستقول إن سند القرآن هو محمد عن جبريل عن الله ؟!

ما هكذا يـُحتج ويـُستدل يا سيدي .

القرآن والحديث الثابت الصحيح منبعهما واحد , وطريقة إثباتهما واحدة وهي السند ولكن الفرق بين الاثنين هو أنه يـُشترط التواتر في القرآن لأنه كلام الله باللفظ ولا يـُشترط نفس التواتر في الحديث النبوي لأنه كلام النبي عليه السلام .

وأضيف لمعلوماتك أن بعض القراءت القرآنية ليست متواترة هي أيضاً .

وهذا الموضوع متشعب ولا أريد أن نسهب فيه لئلا ينحرف الحوار عن مساره الأصلي .

أخيراً :
الحوار في جميع حالاته جميل ومفيد وبالطبع لا يخلو من سلبيات أبرزها برأيي التعامل بفوقية من أحد الأطراف وإغلاق أحد الطرفين عقله عما يقوله الطرف الآخر أو ما شابه , ومع ذلك لاشك عندي أن للحوار فوائد جمة منها على سبيل المثال لا الحصر : التعوّد على سماع كل طرف للآخر المختلف معه فكرياً حتى وإن أساء أحدهما فهم الآخر لأن مجرد الاستماع للآخر يجعلك تتفهمه وإن لم تتفق معه وكذلك اكتساب كل طرف الفوائد العلمية من الطرف الآخر وتنبيه كل طرف للطرف الآخر عن بعض الممارسات أو الأفكار الخاطئة .

أما الانتصار للذات فهذا أمر طبيعي ولا يمكن إلغاءه . ومن يطالب الآخرين بعدم ممارسته عليه أن يعلم بل يتيقن أنه هو أيضاً يفعل الشيء ذاته لأن هذا – في الغالب – أمر جبلـّي .

فلا يعتقد أحد أنه لابد أن يعترف أحد المتحاورين بخطئه , لأن الإنسان في الغالب لا يعترف بخطئه علناً بل قد يعترف به في قرارة نفسه .

عموماً :

أقترح على الأخوة الزملاء في الجماعة تخصيص أكثر من جلسة للحوار أو تقديم أوراق حول هذا الموضوع من أجل تعميق النقاش وتوسيعه , ولتكن جلسة خاصة بالمفاهيم ثم جلسة أخرى تركز على الممارسات ولا مانع من جلسة ثالثة تـُلخص فيها النقاط والنتائج . فالحوار الجماعي في مثل هذه المواضيع الكبيرة قد يكون أفضل . وليكن شعارنا : " الاختلاف هو الأصل " لئلا يتحسس أحد منا من مخالفة الآخرين له .

وللجميع فائق تحياتي ,,

إبراهيم السـدرة


------------

أخ إبراهيم قرأت ردك ..وأحترم وجهة نظرك ..مع أن كل
ماذكرته تكلمت عليه , وأصبح الحديث عنه لغو ..حشى حديثك عن العدل والمساواة ..فأنا
وضعت الحرية المضمنة للعدل مقارنة بالمساواة ..لما تقدم من حديثي أن العدل بلا حرية
لا قيمة له وإن حقق المساواة ..كما في السجون ..وهذه هي القيمة التي يقول بها العقلاء وليس مجرد العدل بذاته ..لاسيما أن القول بتناقضه مع المساواة لا يصح ومغالطة
..
كذلك قلت لك القرآن نقل متواترا , لتعود أنت وتقول بذلك ! ..وقلت أن بحث سند القرآن كإلزام لكلامك ..أما ثبوت القرآن ليس من النص عندي
وإنما من العقل ..وكلام كله يدور حول ما قلناه سابقا ..وعلى أيه حال حال ..استمتعت بالحوار معك ..وأنا لا يهمني كونك سلفي أو حتى من الهنود الحمر ..المهم أن يكون
الإحترام هو إطار الحوار بيننا , وهذا ما كان ..وأيضا العمل على الإطلاع والبحث أكثر وهذا ما أرجو أن يكون ..

وشكرا..

الحميدي ,,