الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

سماحة "جريدة الرياض" ..

يقول طيب الذكر اينشتاين : ( إن العقول التي تخلق المشكلة , لا يمكن أن تكون جزءاً من حلها ) ..قامت صحيفة الرياض بعرض فتوى لأبن باز , يجيز فيها ( عمل المرأة ) عند الضرورة , وكأن الجريدة في ذلك تتحدث عن رجل نذر عمره للإنسان , ولحقوق المرأة , وللاهتمام بظروف المواطن , أو لرجل مجدد ومتجاوز لعقلية التراث , ومنطق ( الفتنة ) و ( العورة ) , وكأنها تتحدث عن الإمام محمد عبده , أو الإمام الطاهر بن عاشور , من أعلام التجديد الديني ..أن جريدة "الرياض" التي تستند إلى رأي لأبن باز _ مع أن أبن باز نفسه له أراء أكثر , تعارض عمل المرأة , و ( تقطع ) بحرمة ( الإختلاط) _ هي تعود بنا إلى نقطة الصفر ..فبدلاً من أن يعلم المواطن , وصناع القرار أن مشكلتنا ليست مع "رأي فقهي" يوجد من يعارضه داخل المؤسسة الدينية , وإنما مشكلتنا مع عقلية "المؤسسة" نفسها , وعدم قدرتها على تجاوز ذاتها .. تأتي "الرياض" لتحاول أن تقوم بإنعاش رئوي لهذه المدرسة "الدينية" التي لا تمت إلى الواقع بصلة ..فحينما نعلم أن فتاوى الهيئة , لا يعتد بها , حتى بالنسبة للدولة , وحتى بالنسبة للمؤسسات , والمراكز التجارية التي تعمل بها المرأة , فلماذا تؤخذ هذه الفتوى بالاعتبار ؟! لماذا المحلات التجارية , لا تجد حرجا في بيع الدخان , والرسيفرات , والمجلات , وهي من ( المحرمات ) بالنسبة للهيئة , بينما حينما يتعلق الأمر بتوظيف "المرأة" تؤخذ هذه الفتوى بالاعتبار ؟! مع أن هذا لم يحدث _ ولكن على أفتراض أنها فعلت _ .. أن الهيئة التي تقرر بالإجماع أن ( الاختلاط) محرم , هي تقرر ( فسق الدولة ) .لأن ارتكاب ما هو مجمع على تحريمه "فسق" ..فهل ستأخذ الدولة بهذا الفتوى التي تهدف إلى إسقاط "عدالتها" , ووصفها "بالفسق" ؟! ..ولهذا كان لا بد من تجاوز المدرسة "الدينية" تبعا لهذا الاعتبار المهم جداً ..وكان المواطن المثقف مستبشرا بقصر الفتوى على الهيئة , لعلمه أن الهيئة , لن تكون متماهية ومتحركة مع "الواقع" , وهذا سيفضي إلى تحجيم , وبعد خطابها عن الواقع , وهذه خطوة مهمة جداً في تحييد الخطاب الديني في المجتمع , وقراراته التنموية , فمنذ توحيد المملكة , لم يساهم "الديني" في أي عمل حداثوي , أو تنموي , بل كان ممن يرمي العصي في دواليب التنمية ..أن الشعب يسمح لبناته بالاختلاط في البنوك , والمستشفيات , والشركات الكبرى , والجامعات "كاوست" , وكذلك في برامج الأبتعاث , دون حاجة الشعب لتبرير ديني لأي فرد من أفراد المؤسسة الدينية , فمع إبقاءهم على حكم "حرمة الاختلاط" إلا أن الشعب وحكومته , يسيرون في هذا الطريق , دون إلتفات إلى تلك الفتاوى , المغرقة في "الفتنة" و "الماضوية" ...ما الهدف من محاولة تلميع آراء هذه المدرسة ؟! دون حاجة الشعب إلى ذلك ؟! إلا محاولة تطبيع الخطاب الديني في المجتمع , مع ما تقدم أنه خطاب يهدف إلى تفسيق الدولة , ووصف القضايا الخلافية بأنها قضايا قطعية , مما يستلزم ارتكابها "الفسق" أو التكفير ..ثم أن الحاجة تبرر حتى المحرمات , وبالتالي الفتوى ليس فيها أي تقدم ..بل أن الفقهاء يقولون : ان ما يحرم وسيلة يباح عند الحاجة , وما يحرم لذاته يباح عند الضرورة ..وتحريم الاختلاط عندهم هو تحريم للوسيلة , وبالتالي مجرد الحاجة تبيحه لا الضرورة ..والحاجة أقل من الضرورة ..وتقديرها يعود لذات الشخص نفسه ..فليس بالضرورة أن تكون من تريد العمل فقيرة معدمة , وإنما مجرد أن تريد أن تجد نفسها في العمل , ويكون لها مصدر دخل مستقل , هو مما يبيح ذلك ..أنني ريد أن اؤكد ان الدولة والشعب هم أكثر تقدما من عقلية "الهيئة الدينية" , وأن محاولة عقلنة بعض "الآراء" للهيئة , سيعيدنا إلى المربع بالأول , وسنكون ملزمين بما تقوله الهيئة , وقد علم القراء أن ما يلزمنا قبوله حينما نأخذ بأقوالها , هو الطعن بالمجتمع وبحكومته ..أن ما يجب تسليط الضوء عليه , هو في بيان عدم إلزامية هذه الفتاوى , وعدم قدرتها على التماهي مع الواقع ..وإذا كانت الجريدة تريد الأخذ بفتاوى أبن باز , فلماذا لا تأخذ بفتواه في تحريم "الإختلاط" , أو فتواه الطامة التي يرى فيها أننا متى ما صارت لنا قوة عسكرية , فيجب أن نقوم بحرب "شعواء" على العالم أجمع ..!ذلك أن العقول التي تخلق المشكلة لا يمكن أن تكون جزاً من حلها ..



ملحوظة : بعض رجال الدين يقول بدلا من أن تعمل المرأة كاشيرة "يجب" على الدولة أن توفر فرص عمل ..والسؤال : حتى يحدث هذا "ال يجب" ماذا تفعل المرأة ؟! تشحذ حتى يحدث الله بعد ذلك أمرا ؟!

هناك 5 تعليقات: