الخميس، 3 يونيو 2010

نقض أدلة تحريم الإختلاط

( يستشهد المحرمون للاختلاط: بقوله تعالى: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب). ويتساءلون لماذا يشدد الله على أمهات المؤمنين في مخاطبة الرجال وهن أطهر النساء؟ ألا يُفهم من ذلك وجوب ذلك على من دونهن من النساء من باب أولى؟ لا سيما وأن العلة عامة وهي "طهارة القلب" في قوله: (ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن).؟
والجواب هو أن زوجات النبي أمهات للمؤمنين.. ولأنه لا توجد بين نساء النبي والمسلمين تلك النفرة الفطرية التي توجد بين الرجل وأهله.. فرض الله عليهن الحجاب، ليلقي في روع الرجال مهابتهن وأمومتهن، وتتسامى نفوس الطرفين عن الميل الفطري الذي يكون بين الرجل والمرأة.. فأمومة نساء النبي أمومة جعلية شرعية، لا تكوينية في نفوس المسلمين.. وهكذا نلاحظ أن الله جل وعلا استثنى محارم نساء النبي صلى الله عليه وسلم من الاحتجاب الخاص بأمهات المؤمنين وذلك في قوله: (لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن).. بينما استثنى محارم نساء المؤمنين من إخفاء الزينة الباطنة وهو أمر يعم جميع النساء وذلك في قوله جل شأنه: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن ).. ومما يؤكد أن هذه الآية ـ أي آية الحجاب ـ تثبت خصوصية الحجاب بأمهات المؤمنين عدم ذكرها "بعولتهن" الذين ورد ذكرهم في آية سورة النور ـ حيث الخطاب فيها لعامة النساء ـ. ولكل واحدة "بعل"، أما في حالة أمهات المؤمنين ـ والحجاب خاص بهن ـ فلا مجال لذكر "بعولتهن" لأن لهن جميعاً بعلاً واحداً وهو النبي صلى الله عليه وسلم.. كما يدل على خصوصية الحجاب ما رواه البخاري "6/416" من حديث عائشة أنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: لكن أفضل الجهاد حج مبرور.. بينما أجاز لباقي النساء الجهاد ومن ذلك ما رواه أنس ـ رضي الله عنه ـ: "أنّ أمَّ سُلَيمٍ اتخذت يوم حنينٍ خِنجراً" أخرجه مسلم (3/ح:1809).. فلو كان يلزم باقي النساء ما يلزم نساء النبي لما جاز لهن المشاركة في الجهاد.. قال الأثرم: (قلت لأبي عبدالله (يعني أحمد بن حنبل) كأن حديث نبهان: "أفعمياوان أنتما" لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وحديث فاطمة بنت قيس: "اعتدي عند ابن أم مكتوم" لسائر الناس؟. قال: نعم.) المغني "7/28" وقال بذلك القاضي عياض ونقله النووي دون أن يتعقبه "14/151". وقال بذلك ابن بطال فتح الباري "11/237". وجمع من المحققين.. ولو قلنا إن منطوق الآية يفيد وجوب احتجاب النساء عموماً لعلة "طهارة القلب".. لوجب على الرجال أيضاً أن يحتجبوا عن النساء.. فعموم العلة يقتضي عموم الحكم.. ولا أرى أن هذا القول بمستقيم، فجاز حمله على ما تقدم.
يستشهد المحرمون بقوله جل شأنه: (وقرن في بيوتكن).. والجواب: ما سبق، مع إضافة أنه لا يفهم من ذلك وجوب القرار إلا إذا كان في الخروج "تبرج".. لذلك كان النبي يقرع بين نسائه إذا أراد سفراً مما يؤكد هذا الفهم لهذه الآية.. كما أن عائشة رضي الله عنها خرجت في معركة الجمل.. وما كان ليخفى عليها هذا الحكم، لو كان واجباً.. فجمعاً للأدلة، وتجنبا للتعارض.. لزم فهم الآية على ضوء فعله صلى الله عليه وسلم، وفعل عائشة رضي الله عنها.
ويقول المحرمون: لماذا فصل النبي بين صفوف الرجال والنساء في الصلاة ؟ أليس في ذلك دليل على وجوب تجنب الاختلاط؟ والجواب لا يفهم من هذا الإجراء تحريم الاختلاط.. فحتى لو صلى رجل بزوجته يقف أمامها، ولا يعني ذلك أنه لا يجوز له الاختلاط بها!
قال المحرمون: يشد لما قلنا قوله صلى اله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها.. إلخ). والجواب: ليس في هذا دليل على تحريم الاختلاط بل هذا الحديث يقرر وجوده.. أما لماذا خير صفوف الرجال أولها، وهو شر صفوف النساء فذلك لأن مَن في أولِ صفوفِ النساءِ قد تنكشف له عورةُ مَن في آخرِ صفوفِ الرجال؛ لأنّ الرجال لم يكونوا يلبسون السراويل فعن سهلٍ بنِ سعدٍ ـ رضي الله عنه ـ قال: "لقد رأيت الرجال عاقدي أُزُرَهم في أعناقهم، مثلَ الصبيان، من ضيق الأُزُر، خلف النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فقال قائل: يا معشرَ النساءِ، لا ترفعْنَ رؤوسَكُنّ حتى يرفعَ الرجال" متفق عليه.. بل حتى هذا الإجراء لم يمنع الاختلاط فقد أخرج البيهقي (3/98) والنسائي (1/139) وابن خزيمة في صحيحه (1696) وابن حبان (1749) وابن ماجة (1046) والطبري في تفسيره (14/18) من حديث ابن عباس: (كانت امرأة تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم حسناء من أجمل الناس، فكان ناس يصلون في آخر صفوف الرجال فينظرون إليها، فكان أحدهم ينظر إليها من تحت إبطه إذا ركع، وكان أحدهم يتقدم إلى الصف الأول حتى لا يراها فأنزل الله عز وجل: (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين).. لاحظ الفتنة حدثت في أفضل مكان "المسجد" وأفضل وقت "وقت الصلاة".. ومع ذلك لم يفصل بينهم.. والحديث صحيح رجاله رجال مسلم إلا عمرو بن مالك النكري وهو ثقة.
يستشهد المحرمون بحديث: (ليس للنساء وسط الطريق) والجواب: هذا حديث ضعيف آفته خالد بن مسلم الزنجي فهو ضعيف. وقد أعل ابن عدي في "الكامل" (4/1328) هذا الحديث بتفرد مسلم بن خالد بروايته عن شريك.
يستشهد المحرمون بحديث: (استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق) والجواب: ضعيف جداً.. في سنده شداد بين أبي عمرو مجهول، و أبو اليمان مجهول الحال!
أما أحاديث جواز الاختلاط فقد بلغت مبلغ التواتر منها:
1- عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: "إنْ كان الرجالُ والنساءُ في زمانِ رسولِ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لَيتوضؤون جميعاً" أخرجه البخاري (1/ح:193).
قوله "جميعاً" يعني مع بعضهم.. وأخرج أبو داود بسند صحيح عن أم صبية الجهنية قالت: "اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد". قال العراقي في طرح التثريب: "وليست أم صبية هذه زوجة ولا محرما". ولو كان قبل الحجاب لقال "ثم منعوا من ذلك".. فتأخير بيان الحكم لا يجوز.. ولا يخفى هذا على فقيه مثل ابن عمر..!
2- عن أم الفضل بنت الحارث: أن أناساً تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم. وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه.. قال الحافظ: (وفي الحديث من الفوائد.. المناظرة في العلم بين الرجال والنساء) "فتح الباري5/142" )

هناك تعليق واحد:

  1. ما يغيضني حقا أن من يسمون أنفسهم بـ(السلفيين) ويقدّسون كتاب(البخاري) هو أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، ها أنت الآن تكشف لهم ما في البخاري بما يعارض أقوالهم، كأني بهم الآن وهم يقولون: "هل تعرف الناسخ والمنسوخ؟" "هل تعرف التدرج في الأحكام؟" حججهم البائدة التي سئمنا من سماعها.

    ردحذف