الأربعاء، 2 يونيو 2010

نقد الدكتور عوض القرني

الشيخ عوض القرني , رجل صاحب مبدأ , ورجل صاحب قضية , لم يتوانى ولم يتراجع عنها , وهذه صفة ذات حدين , الحد الأول : يشف عن أصالة الفكرة , وعمقها ..وتماهي حاملها معها , والحد الثاني : هو في صعوبة تغيير هذه الفكرة التي تكون متداخلة , وفاعلة بهذا الشكل في من يحملها ...تابعت لقاءه مع "خاشقجي" الذي لا يعتبر مثقفاً يستحق تمثيل ( الفكر الليبرالي) مع أحترامي لشخصه ..في لقاء القرني وخاشقجي في برنامج "عبدالعزيز قاسم" ..كنت أنتظر أن يكون هناك طرح فكري ناضج , لتيارين يفترض أنهما عبر سنوات من الممارسة الفكرية , اكتسبا نضجاً معرفياً وفلسفياً , يمكن أن يؤسس أو يؤصل _ حسب الإصطلاح الشرعي_ لفكرة تنويرية أو تطورية في أي أتجاه ...ولكن مع الأسف لم يكن الحوار يحمل أي قيمة معرفية ..وسأتناول ما قاله الدكتور القرني في هذه الحلقة ..

ابتداءً : تحدث الدكتور عن الغالين , والجاهلين , والمبطلين ..وكنت أتمنى أن أعرف الضابط أو الحد لكل من هذه الأوصاف ..

ولنضرب مثلا بسعد الشثري ..بحسبانه مثال تم ضربه في اللقاء ..هل فتوى الشثري في ما يتعلق بالأختلاط تندرج تحت "الغلو" أم "الجهل" أم "الباطل" ؟!...

قبل الحديث عن ذلك , ثمة نقطة في غاية الأهمية , وهي أن البعض يهاجم "الصحف" لأنها انتقدت ( الشثري) في فتواه عن الأختلاط ..وهؤلاء البعض يقولون : ألستم تدعون "الليبرالية" ؟! لماذا تهاجمون الشيخ ؟!..والحقيقة أن كلام "البعض" هذا يتصور أن "الليبرالية" التي تجيز الرأي يحرم عليها نقده , وهذه مغالطة ..فكما جاز للشثري التعبير عن رأيه , جاز لكتاب الصحف نقده , أما إزالته من منصبه فهي بيد السياسي , لا بيد الليبرالي ..ولا يعني أن السياسي قام بعزله , أن هذا ضد حرية التعبير التي ينادي بها "الليبرالي" ..فاليبرالي لم يصادر حق "الشثري" في التعبير , لأنه بالأصل قد "عبر", ولكنه انتقد ذلك التعبير , فكان ماذا ؟!..

ولعل إشكالية فتوى الشثري , هي في أنها أسقاط لعدالة الدولة ..وهذا أمر خطير , وفيه تعدي , لا بد من الوقف في وجهه ..ذلك أن "الأختلاط" إما أن يكون مسألة خلافية , فيرفع الحاكم فيها الخلاف , أو يكون حكم محرم لا خلاف حوله ..فيكون "السياسي" قد أرتكب ما هو مجمع على تحريمه , وهذا (تكفير) للنظام السياسي , لا سيما أن المنهج "السلفي" ينطلق من الحكم بالظاهر , لأن السر علمه عند الله ..وبالتالي فتوى (الشثري) هي تأصيل لمنهج "الخوارج" و تنظيم "القاعدة" في الخروج على الحاكم , لأنه _ حسب رأي الشثري_ أستحل ماهو مجمع على تحريمه ..وفي الحديث : ( إلا أن ترو كفرا بواحا) ..وكفر نكرة في سياق الشرط , فتحمل على العموم ..أي , أي معصية مجمع على تحريمها , تجيد الخروج على الحاكم ..وهذا مكمن الخطورة , والكارثة , التي وقع فيها الشثري ..وتعامل معها الوطنيون الحريصون على أمن هذا المجتمع , وحفظ أمنه , في نقدهم له ..

ونسأل عوض القرني : هل فتوى الشثري هي من تحريف الغالين , أم أنتحال المبطلين , أم تأويل الجاهلين ؟!

كذلك يعتبر "عوض القرني" أن النقد الموجه لكل ماله صبغة دينية , هو نقد موجه من الغرب , لأن ثمة من تكلم عن ذلك في الغرب ..والسؤال : هل الأتفاق مع الغرب في نقطة معينة , يستلزم الأتفاق معهم في كل نقطة ؟!..بل إن الشيخ نفسه , يشيد بتنظيم القاعدة في حربه مع الأمريكان , ولكنه يقف ضده فيما يفلعه بالمملكة ..فهل نقول لعوض القرني : أن أتفاقك مع القاعدة في نقطة محاربة الأمريكان , يستلزم بالضرورة موافقتك لهم فيما يفعلونه في المملكة من أعمال تخريب ؟!...

كذلك الدكتور لا ينكر أن الغرب يتقدم بالعلم , والنقد الموجه للغرب ليس في علومه , التي تقدم بها , والتي هي خارج الحكم "الذاتي" والتوجيه الأديولوجي , كما هو معروف في ( فلسفة العلوم) ..فما وجه الإنكار أن نأخذ من الغرب معارفه وعلومه , التي هي خارج "التديين" و "التسيس" ؟!

بل أن المنهج التعلمي في البلدان العربية , بما فيها المملكة العربية لاسعودية , هو ( منهج غربي) نقله المصريون إلى المملكة .. يقول أنور عبدالملك في كتابه (دراسات في الثقافة الوطنية): (رأى دانلوب, مستشار التربية أيام اللورد كرومر, أن الضمان الوحيد لاستعباد مصر على مرّ الأجيال لا يكمن في الاحتلال العسكري والاستعمار الاقتصادي بقدر ما يكمن في ضرب الفكر المصري في الصميم بحيث يصبح عاجزًا عن التطور والإبداع والخلق, ويظل معتمدًا على غيره ليتحرك. ورأى دانلوب أنه, لكي يتحقق هذا الهدف, لابدّ من أن تتّجه سياسة التعليم كلّها - في مراحلها الابتدائية والثانوية والعالية على السواء - نحو الحفظ دون المناقشة, والترتيل دون النقد, ومحاكاة المراجع والأساتذة دون تشريحها وتكوين رأي مستقل فيها, واحترام الكلمة المكتوبة دون امتحانها والتصارع فكريا معها).

وهذا ما يحدث فعلاً , عبر مناهج التعليم , التي تقوم على الحفظ والتلقين , وتفتقد إلى مهارت النقد والتحليل , وعدم قبول الأمور على علاتها , وكان هذا سببا لتشكيل ما يمكن تمسيته بـ( القابلية للإستلاب) على غرر ما قاله مالك بن نبي حول : ( القابلية للأستعمار) ..المناهج التعليمية , تفتقد إلى الحد الأدنى من مهارات التفكير الخلاق , والنقد العلمي الصارم ..كذلك هي محشوة بكثير من العلومات التي يكون العلم بها لا ينفع , والجهل بها لا يضر ..فما الضير من تطوير هذه المناهج , فيما يتوافق مع معطيات العصر , والعلم الحديث ؟!..كذلك الأطباء والمهندسون لم يقيموا النهضة الوطنية أنطلاقا من مناهج دينية , أو أحكام الأستنجاء والأستجمار , وإنما أنطلاقا من القواعد والمناهج الغربية , التي يدرسونها في كليات الطب والهندسة , الطبيب يعالج ويشخص أنطلاقا من معايير غربية , لا من معايير "الطب النبوي" لأبن القيم , والمهندس كذلك ينطلق من معايير هندسية غربية , لا معايير بناء الخندق ومسجد الرسول ..!

كذلك فيما يتعلق بالقضاء , الذي شتت أسرة آمنة مطمئنة , ورمى المرأة في السجن , هل هذا قضاء أنساني , فضلا عن أن يكون قضاء شرعي ؟!..هل القضاء الذي يستحل فروج الصغيرات , ويبرأ من يقتلون الناس تحت شعار "الحسبة" هو قضاء يحكم بشرع الله ؟!...

يقول القرني : أن لكل مرحلة رجال , وأن الذين يطورون القضاء هم شرعيون ..ونحن نقول : نعم .بيد أن التنويريين هم من خلق المرحلة الجديدة , التي يتحرك فيها الشرعيون , لا حبا في العدالة , وإنما خشية من السلطان , وإلا هم ( على طمام المرحوم) ..ولولا النقد , وبيان هذه الجرائم اللا شرعية و اللا أخلاقية للقضاء , لما حدث هذا التطوير , ولما سقط "اللحيدان" , الذي كان منذ عهده الأول محاربا لكل مظهر تنويري جديد ..ومن ذلك تحريمه لتعليم المرأة كما جاء في الدرر السنية 16/50 : ( ففي بلادنا تضعف روح الإسلام ويخف سلطانه على النفوس عند المتعلمين، ويتسع هذا الضعف يخف ذلك السلطان بقدر ما يتسع التعليم وتنتشر المدارس ) .وهو ما ذهب له عالم آخر هو أبن حميد : ( كثيراً ما نسمع كلمات حول تعليم البنات، وفتح مدارس لهن، وكنا بين مصدق ومكذب حتى تحقق ذلك رسميا، فاستغربنا هذا، وأسفنا له غاية الأسف ... وإني أنصح لكل مسلم أن لا يدخل ابنته أو اخته في هذه المدارس التي ظاهرها الرحمة، وباطنها البلاء والفتنة، ونهايتها السفور والفجور وسقوط الأخلاق والفضيلة). ( الدرر السنية ج16 ص 71،74 ) ..ولم يعارضهما أحد , وكانت الممانعة الدينية لتعليم المرأة مما لا يخفى على أحد , فكيف يزعم الدكتور أن هذا قول الاقلية ؟!...

بل أن التاريخ السعودي , يكشف عن أن التيار الديني كان دائما في حالة خوف , وتوجس , و ( وهم) من كل جديد ..منذ معركة "السبلة" التي حارب فيها الملك عبدالعزيز "الأخوان" الذين ينطلقون من أدبيات المؤسسة الدينية الوهابية , وحينها أنفض الديني عن السياسي , وأصبح الديني , تحت مظلة "السياسي" ..ثم ما حدث في تعليم المرأة , والتنقيب عن النفط , والتلفاز , والابتعاث , و الدوشوش , وجوال أبو كاميرا ..وكثير من القضايا التي وقف ( تيار الوهم) , لينتهي في النهاية إلى قبلوها , وخسارة كل معاركه معها ..

إن إشكالية المناهج الدينية , وكذلك الخطاب "الوهابي" , هو أنه يقدم الشباب كمادة خام , وجاهزة لتحويلهم إلى خوارج جدد , ولهذا لا نعجب , حينما نجد في كل بؤرة نزاع في العالم , ثلة من السعوديين !!..أن الأرهابي لا يجد صعوب كبيرة في تجنيد الشباب ..فهو يسألهم : أليس من يسمح بالربا يحارب الله ورسوله ؟!..سيقول الشباب : نعم ولا خلاف ..ثم يسأل : أليس شيخنا البراك يقول أن الصحف السعودية الوطن , والرياض , وعكاظ تحارب العقيدة ؟!..سيقول الشباب : نعم ..! فيسأل الأرهابي : أليست هي صحف حكومية ؟! .سيقولون : نعم !!...ثم يكمل : الم يقل شيخنا أبن عثمين : ان من يضع الدش في بيته فهو خائن لرعيته ؟! سيقول الشباب : نعم ..يسأل : أليس من يجيز فتح محلات بيع الدشوش هو خائن لأمته من باب أولى ؟! ..سيسأل الأرهابي : ألم يقل شيخنا يوسف الأحمد أن معارض الكتاب تنشر كتب لمحاربة العقيدة ؟!..سيقول الشباب : نعم ..يسأل الأرهابي : أليست تقام بعلم الدولة ؟!..ثم يقول : أليس في مناهجنا التعليمة أن مجلس الأمن يحارب الإسلام ؟! يقولون : نعم ..ثم يقول : وبلدنا عضو في مجلس الأمن ..!!وهكذا يجد الأرهابي مادة خام , قد تم تجهيزها مسبقاً , فقط هو يقوم : ( بربط المقدمات بالنتائج) ..ويجند هؤلاء الشباب لمحاربة الدولة ..هو لا يقول لهم معلومات جديدة , وأنما يعيد ترتيبها لهم , بحيث يفض رابطة الولاء بين الشاب ووطنه , وتصوير وطنه على أنه وطن , يحارب الدين , والعقيدة , وهذه كارثة حقيقة ..!
تكلم عوض القرني كذلك عن الهيئة , بحسبانها جهاز حكومي له وعليه ما للأجهزة الحكومية الأخرة ..بيد أن المتابع لعمل جهاز الهيئة , يجد أن عملها عمل يخرج عن الضوابط و اللوائح القانونية التي يفترض أن تسير عليها أي مؤسسة حكومية ..وتلك الأخطاء التي يقال أنها أخطاء فردية , هي أخطاء تتكرر في أكثر من مكان وزمان .وقد بينا سابقاً إذا كان مثل هذا عمل فردي , فكيف يكون عمل المليشيات المسلحة ؟!...ولعل الإشكالية التي ينطلق منها "عوض" وكثير من المدافعين عن الهيئة , هي في مفهومهم ( للنقد) , فهؤلاء يتصورن أن النقد هدفه التحطيم لا التقويم , الهدم لا البناء , ولهذا هم حينما ينتقدون مؤسسات الدولة , أو صحفها , لا ينطلقون من دافع "تقومي" بقدر ماهو دافع "تحطيمي" ..ولهذا كما جاء في مداخلة د.نوال العيد قولها : أنهم يهدفون إلى إزالة جهاز "الهيئة" ..بينما في الحقيقة أن ( الهيئة) هي ( ضرورة ليبرالية) ..لأنها تضبط سلوك "الحسبة" , وبالتالي يمكن ضبط المحتسب الحكومي , وإسقاط شرعية "المحتسب المتطوع" ..إذ لو لم تكن هناك هيئة , سيقوم مجموعة من "المحتسبين" بالأنكار وبطريقة لا يمكن ضبطها , و تؤدي إلى كوارث كما حدث في كلية اليمامة , والجوف ..بينما مأسسة "الحسبة" يسقط شرعية هؤلاء , على الأقل أمام الجمهور , والمؤسسات القانونية في البلد , على أفتراض أن ثمة مؤسسات من هذا النوع ...كذلك لم نجد الشرطة أو المرور ..يطاردون الناس حتى الموت , أو يتجسسون عليهم ..كما هو مسجل على الهيئة ...كذلك يقول القرني أن الهيئة هي ( سفينة النجاة) ..والحقيقة لا أعرف ماذا يقصد بسفينة النجاة ؟!..ذلك أن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , هي سمة الدول المدنية , ولا يوجد بلد إلا وله مؤسسات تمارس هذا الدور , ولا يصح أختصار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجهاز معين وأفراد معينيين ..فالشرطة والمعلمون والأطباء ..يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ..

وقد حاولت الهيئة تلميع صورتها , بأبراز قضايا الأبتزاز , وهي قضايا تتناسب طرديا مع هجمة الإعلام على الهيئة , فكلما زاد الهجوم على مخالفات الهيئة , كلما برزت تلك القضايا ..وقد ذكر الناطق الإعلامي للهيئة ..أن عدد المكالمات التي وصلت بسبب قضايا الأبتزاز أكثر من 20 ألف حالة ..! وكانوا يظنون أن هذا العدد مكسب لهم , ودليل أنهم سفينة نجاة !..بينما هذا العدد يكشف الفشل في عمل "الهيئة" .وإلا أين الهيئة عن أكثر من 20 ألف حالة علاقة غير شرعية , لم تستطع الهيئة الكشف عنها إلا بعدما صرح بها أحد أطراف العلاقة ؟!..أن هذا يكشف أن الأخلاق لا يمكن أن تضبط بالقانون , أو أي تشريع ..إذ الإنسان هو أبن نوازعه وشهواته وظروفه , القانون يمنع المخالفات أن تبرز على السطح , لكن لا يتسطيع النفاذ إلى نفوس الناس , وأخلاقها , ليقوم بتهذيبها ..!

كذلك يرى القرني : أن الهجوم يتناول المؤسسات ذات ( الصبغة الشرعية) ..والسؤال : هل كون جهاز أو شخص له ( صبغة شرعية) كفيل بإعتباره ( معصوم) لا يتناوله النقد ؟!..لا أظن أن عاقل سيقول بذلك , وبالتالي القول بأن الجهاز ذو صبغة شرعية , هو من اللغو الذي لا قيمة له ..والمشكلة ليست في الناقد , ولكن في المنقود الذي لم يحفظ "لصبغته الدينية" قيمها المهنية والأخلاقية التي تجنبه عن النقد أن أحسن , أو تجعله يتقبله أن أخطأ ..فهذا مظهر السلوك "السوي" فضلا عن ( المصطبغ بالصبغة الشرعية) ..!!

كذلك تحدث القرني عن التغريبيين ..والحقيقة أتمنى أن أعرف من هم التغربيون ؟! ماهي مؤلفاتهم ؟! ما هي أطروحاتهم ؟!...ولعل في حديث القرني ما يكشف عن هؤلاء , من ذلك ما ذكره حول بعض كتابات " شاكر النابلسي" وشاكر لا يمثل التيار الليبرالي السعودي , فكيف يحسب كلامه على غيره ؟!..وهذه من مغالطات الأخوة ..فهم حينما نأتي لهم بفتوى متخلفة كرضاع الكبير , أو إرهابية "كسنة الأغتيال" و "رد الصائل" أو طفولية "كقتل ميكي ماوس" ..إلا ويقولون : إن هذه فتاوى لا تمثل إلا أصحابها ..بينما تكون مقولات النابلسي تمثل التيار الليبرالي , لا تمثل النابلسي وحده ؟!..وهذه من المغالطات الفاحشة ..وهي مغالطة وقع فيها صاحب كتاب : ( السلفية والليبرالية) ..فهو لما أراد أن يكون في المنتصف , ولأن الفضيلة وسط بين رذيلتين , خلق تيار ليبرالي , وهو ليس إلا شاكر النابلسي ,,بينما التيار السلفي هو تيار يقوم على مقولات "سيد قطب" و "المودودي" ..فهؤلاء لا يمثلون وجهات نظرهم ..وإنما هذه هي أدبيات الفكر التي أنطلق منها صاحب الكتاب في نقد "السلفية" ,فهو أمام تيار له منظروه وأسسه .. بينما شاكر النابلسي لم يشكل أي أدبيات للتيار الليبرالي, ولم ينطلق أي شخص ليبرالي من مقولاته , بحجة : أن لا تقول بمسألة ليس لك فيها إمام كما يقال عن أحمد ..وهذه مغالطات فاحشة ..

كذلك أتى الدكتور القرني , بمجموعة من الجمل , التي يعتبرها مهاجمة للدين , كتلك التي تقول بأن الحجاب , أو التوريث , أو الحاكمية , هي معطيات تاريخية , لا تعتبر عنصرا مكونا من عناصر الشرعية ..وهذا القول يعتبره عوض القرني حربا على الدين , بيد أن هذه الأحكام هي تندرج تحت "المعاملات" و "العادات" المرتبطة بعلل نص عليها النص نفسه , فيدور الحكم معها وجودا وعدماً ..كذلك المعاملات تضبط بضابط تحقيق العدل , وهو ضابط أخلاقي يتجاوز حتى النص نفسه , لأن النص لا يمكن أن يكون نص غير أخلاقي , ولا يمكن أن نقول : أننا علمنا أن النص لا يكون غير أخلاقي من النص , لأن هذه مصادرة على المطلوب , فلا بد من معرفة مسبقة تتجاوز "النص" تؤمن بأخلاقية النص , وتوجيهه لتحقيق المقصد الأخلاقي للنص , لا سيما أن النص القرآني هو نص ( مكتنز لغوياً) ويقبل قراءات متعددة , بل حتى متضادة , وكل المدارس العقدية , والفقهية في التاريخ الإسلامي , خرجت من (النص) نفسه , وكل فرقه لها سلفها من الصحابة ..كذلك أقتطاع الجمل من سياقها , طبيعي أن يجعل من أي "نص" نص قابل للتجريم ..ويمكن ممارسة ذلك مع ( النص القرآني) نفسه , فالقرآن نقل لنا مقولات كفرية , من كلام الكفار , ونقل مقولات إباحية في قصة يوسف , والقرآن كان يعرض هذه المقولات الكفرية , ويتناولها بالنقد والتحليل , إذ لولا بيانها , كيف يتم الرد عليها ؟!..فالقرآن يثير هذه المقولات , ويحفظ الحقوق الفكرية للكفار, بنقل مقولاتهم ..موقف الكاتب مما ينقله , هذا شأن آخر ..إذ أن لازم المذهب ليس بمذهب , فحينما لا يصرح الكاتب بلازم قوله , يكون حمل الكاتب على لازم قوله , من الظن الذي لا ينهض له دليل ..وبالتالي يكون "المحتج" يستند على ماهو ظني ..بمعنى , لو قال كاتب كلام يفيد ظاهره "الكفر" أو يستلزم "الفكر" ..فهذا الإلزام لا يكون حجة على قائله , كما تقدم ..!!

في مداخلة الدكتورة نوال العيد , تحدثت عن تحديث المناهج بالفهم "السلفي" ..وهذه مغالطة ..فهل هو ( تحديث) أم ( فهم سلفي) ؟!..فالفهم السلفي هو فهم نستولجي ماضوي , هو نتاج ظروفه المتغيره , والمؤثرة في توظيف النص , فالسلفية هي التعامل مع الواقع , كما تعامل السلف مع واقعهم ..ضن شروطه الموضوعية والمتجددة , حتى لا يتجمد النص , ويتجاوزه حراك الواقع , و صيرورة المجتمع ..كذلك ماهي المفاهيم العصرية , التي قامت الأخت بطرحها ؟!..كذلك ردت على أميرة كشغري , حول أحترام "التخصص" ,,مع أن الدين ليس شأنناً تخصصياً , بدليل الآية التي أستشهدت بها الأخت : ( فسألو أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) فالإحالة على سؤال أهل الذكر في حالة ( الجهل) , لا في حال المعرفة ..كذلك القول أن الأختلاط مذكور في القرآن ..مثل قصة ذلك الرجل الذي سمى ولده "خنزير" , فلما ثار الناس عليه , قال : يا أخوان الأسم مذكور في القرآن ..! الأختلاط المذكور ماهو السياق الذي ذكر به , والذين ينكرون ورود لفظ الاختلاط ينكرونه من حيث دلالته الاصطلاحية لا اللغوية ..!!

أيضاً , هناك صورة نمطية أن الليبراليين لا يهتمون إلا بقيادة المرأة للسيارة , بينما هذا الكلام فيه نظر , فعبدالمحسن العباد ألف كتاب يفوق كل ما كتب عن ذلك , وفي الخطب المنبرية , والأشرطة , والكتببات , يتم تناول قضية المرأة من التيار الصحوي , والنهي عن قيادتها للسيارة .فكيف يقال هو شأن ليبرالي صرف ؟!..وهم لليبراليين ؟!..كذلك المقالات الصحفية الليبرالية تتناول كل الشؤون والمؤسسات التي تمس المواطن , على العكس من خطباء الجمعة , والمحاضرات الدينية , التي تحدث الناس عن ثمار الجنة , والناس لا يجدون خبزا , وعن الحور العين , والناس يعانون من غلاء المهور , وعن شرب الخمر في الجنة , والناس لا تستطيع شرب ريقها من النصب والبحث عن حياة كريمة ..

هناك 3 تعليقات:

  1. أنت فنان!! تنثر مزاعمهم وتعريها بالمتابعة والرصد، ليت لدين مثلك عشرة فقط.

    كم أكره كتاب عوض القرني، والأشياء الكثيرة التي تسبب فيها، حتى من دون أن يقرأوا هذا الكتاب الهش المتهالك.
    شكرا لك

    ردحذف
  2. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  3. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف