الأربعاء، 2 يونيو 2010

نقض أدلة تحريم الغناء

يستدل "المحرمون" للغناء، بقوله جل شأنه "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله" ..وقالوا: اللهو هو "الغناء" وقد أقسم على ذلك ابن مسعود.
قال "المجيزون" : هل علم ابن مسعود حكماً شرعياً لم يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم؟!..إذا قلتم: نعم .. فقد عارضتم قوله جل شأنه "اليوم أكملت لكم دينكم" . وإذا قلت: لم يمت الرسول إلا وقد بين رسالته على التمام، وجعل الناس على البيضاء ليلها كنهارها..قلنا: إذن، ليس لابن مسعود ولا لغيره أن يستدرك على شريعة "محمد".
كيف وقد ندب الرسول "للغناء" كما في الصحيح " 7/28" من حديث عائشة "يا عائشة ما كان معكم من لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو".. وفي حديث بريدة "الترمذي رقم:3691": "خرج الرسول "صلى الله عليه وسلم" في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء ، فقالت: يا رسول الله، إني نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال لها رسول الله "إن كنت نذرت فاضربي"."وسنده صحيح ".
وهذا "تجويز" من النبي للغناء وإلا ما أجاز "نذرها". وما جاء في الصحيح "2/20" من حديث عائشة قالت "دخل علي رسول الله وعندي جاريتان، تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي، فأقبل عليه رسول اله فقال "دعهما" ".. وهذا دليل على جواز الغناء وإلا ما أجازه النبي في بيته ..والعيد لا يحلل حراما، ولا يحرم حلالاً.. ولم يصب "ابن تيمية" _رحمه الله_ وتابعه _"كالعادة"_ بعض من المتأخرين حينما قال" الرسائل2/319" : "وأعجب من هذا من استدل على إباحة السماع المركب من الهيئة الاجتماعية، اجتماع البنتين الصغيرتين وهما دون البلوغ عند امرأة "صبية" في يوم عيد".
والجواب: أن عائشة لم تكن صبية _أي صغيرة_ حين غنت الجاريتان عندها فتمام الحديث: "وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحراب. وقول النبي لها "هل تشتهين ، تنظرين؟" ..قلت: نعم فأقامني خلفه.. مما يعني أن هذه الحادثة بعد نزول آية الحجاب في السنة السادسة.. وكان قدوم وفد الحبشة إلى المدينة في السنة السابعة، فيكون عمر السيدة عائشة رضي الله عنها قد تجاوز الخمس عشرة سنة! وهي سن التكليف "الفتح3/96-97" ..بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم مغنية محترفة تغني لعائشة. عن السائب بن يزيد "أن امرأة جاءت إلى رسول الله، فقال: "يا عائشة ، أتعرفين هذه؟" قالت : لا ، يا نبي الله ، فقال: "هذه قينة بني فلان تحبين أن تغنيك؟" قالت: نعم ، قال: فأعطاها طبقاً ، فغنتها" صحيح أخرجه أحمد "3/449" ، والنسائي"رقم74"..
ويستدل "المحرمون" بما أخرجه البخاري "معلقاً" من حديث أبي عامر أو أبو مالك الأشعري؟! :" ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر ، والحرير ، والخمر ، والمعازف" ..
قال "المجيزون" : إن هذا الحديث لا حجة فيه.. فقد ضعفه "البخاري" نفسه حينما علقه .. قال ابن حجر في الفتح "1|188": "وقد ادعى ابن مندة أن كل ما يقول البخاري فيه "قال لي" فهي إجازة، وهي دعوى مردودة. بدليل أني استقريت كثيراً من المواقع التي يقول فيها في "الجامع": "قال لي" فوجدته في غير الجامع يقول فيها: "حدثنا". والبخاري لا يستجيز في الإجازة إطلاق التحديث، فدل على أنها عنده من المسموع. لكن سبب استعماله لهذه الصيغة: ليفرق بين ما بلغ شرطه وما لا يبلغ". فتعليق "البخاري" لهذا الحديث إشارة منه إلى ضعف في سنده.. وقد صدق ، ففي سنده "عطية بن قيس الكلابي" ضعفه أبو حاتم "6/383 الجرح والتعديل" .. وقال الذهبي في ميزان الاعتدال "8/158" : "قال ابن حزم : مجهول" وعلى تساهل البزار قال في "كشف الأستار" "1|106": "لا بأس به" وهي كلمة تنزله عن درجة الثقة.. والاضطراب في اسم راوي الحديث أتى من "عطية" ،لأن الطرق التي ليس فيها عطية_ على ضعفها_ لم يكن فيها اضطراب باسم الراوي ..وهكذا يكون عطية بن قيس على ضعفه قد "تفرد" لفظ المعازف وتحريمها.. على فرض قبول دلالة الاقتران على التحريم ..وخروج حكم المعازف بأحاديث أخرى تفيد "جوازها" ..قال الشيخ "محمد الأمين" : "وأما ما زعمه البعض من أن مسلم قد احتج به، فقد تتبعت أحاديثه فلم أجده قد تفرد بأي حديث منها. وبقي حديث #477 عن أبي سعيد الخدري، فقد توبع في الحديث التالي #478 عن ابن عباس. فإن البخاري ومسلم يخرجان للمليّن حديثه ما علموا بالقرائن أنه ضبطه. والقرينة هنا واضحة أنه وافق الثقات من طريق آخر بنفس المتن، فأخرج له مسلم متابعته. ولو كان ثقة عند مسلم، لأخرج له حديثه المعازف في صحيحه. ولو كان ثقة عند البخاري لأخرج البخاري حديثه ولم يكتف بتعليقه."
قال الإمام المالكي "ابن العربي" في "أحكام القرآن 3/9" : " وكل حديث يروى في التحريم، أو آية تتلى فيه، فإنه باطل سنداً، باطل معتقداً، خبراً وتأويلاً "..وكذا قال الإمام ابن حزم ..والحافظ "القيسراني" في رسالته بالسماع.. وجمع من العلماء. فهذا ابن أبي سلمة الماجشون، ثقة فقيه محدّث، كان يعلم الغناء ويتخذ القيان. يقول الخليلي في الإرشاد "عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون مفتي أهل المدينة.. يرى التسميع ويرخص في العود".و يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة‏. من كبار فقهاء المدينة ومحدثيها الثقات. قال ابن أبي خيثمة عن ابن معين "لا بأس به. كنا نأتيه، فيحدثنا في بيت وجوار له في بيت آخر يضربن بالمعزفة_وهو العود انظر لسان العرب _". و قال الخليلي"ثقة، عمّر حتى أدركه علي بن مسلم، وهو وإخوته يرخصون في السماع، وهم في الحديث ثقات".
وأما ما روي عن أنس مرفوعاً "من جلس إلى قينة فسمع منها، صب الله في أُذنيه الآنك يوم القيامة" ..فحديث ضعيف في سنده "أبو نعيم الحلبي" وهو ضعيف ..قال الإمام أحمد "العلل ، رواية المروذي رقم:255": "حديث باطل"..قال الدارقطني _فيما حكاه ابن حجر عن "غرائب مالك" "لسان الميزان5/349": "تفرد به أبو نعيم عن ابن المبارك، ولا يثبت ذلك عن مالك، ولا عن ابن المنكدر"!
وبذلك يتبين أن سماع "الأغاني" أحل من أكل "الفقع"_لمن يشتهيه طبعاً_ ..غير ما ثبت من فوائده "الطبية" والنفسية التي لا يطعن فيها إلا مكابر أو جاهل.

هناك 3 تعليقات:

  1. من أروع ما قرأت؛ حول الغناء في الإسلام.

    واصل تفكيك التراث يا مبدع، إنك والله كالموس في حلوق الجهلاء.

    ردحذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  3. Thank you for that also my friend

    ردحذف