الخميس، 3 يونيو 2010

النجيمي بين التحريم و التحكيم

أجرى د. عبدالله هضيبان في برنامجه (البينة) على قناة (اقرأ) ما اسماه بالمناظرة _كذا_ حول (الاختلاط) وكان ضيوف البرنامج أحمد قاسم الغامدي، وأحمد الحمدان. وكان الحكم النجيمي.. وكان هذا من عجائب البرنامج، والعجائب جمة.. أن يكون النجيمي هو حكم هذه (المناظرة) _تجاوزاً_ حول الاختلاط. فالنجيمي الذي دافع عن فتوى البراك في (تكفير) مبيح الاختلاط، قد قرر في الحلقة أن الاختلاط (مجمع على تحريمه) وليس من المسائل الخلافية، بحيث يجوز للحاكم رفع الخلاف فيها. وقد ثبت أن النجيمي مارس الاختلاط الذي يقول (بقطعية حرمته) في الكويت.. والسؤال: ما حكم من يرتكب ما هو (مجمع على تحريمه)؟ لا سيما أن الجهل والتأويل مندفع، كما قرر النجيمي في حكم الاختلاط (وحرمته)، وكذلك لاندفاع (الضرورة) التي تبيح المحظور!.. وهل من يرتكب ما هو مجمع على تحريمه، أهلٌ ليكون حكماً في مناظرة شرعية؟! وماذا يسمى في الفقه من يرتكب ما هو مجمع على تحريمه، دون جهل أو تأويل؟
والغريب أيضا فهم النجيمي في احتجاجه بقوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)، فقال: لو كان ثمة اختلاط، كيف يمكن لهم أن يغضوا من أبصارهم؟! وهذا الاستدلال يرد عليه بأن الغض للتبعيض، ويجوز للرجل النظر للمرأة التي يختلط بها، لأن هذه الآية استثنت ما يجوز النظر له وهي (الزينة الظاهرة) في قوله تعالى (إلا ما ظهر منها). والسؤال للنجيمي: حينما كنت تختلط في الكويت، ألم تغض البصر؟ وثمة سؤال يضاف إلى السابق: ما حكم من يختلط ولا يغض البصر مع وجود الأمر بذلك؟! وكيف يقرر عدم إمكانية غض البصر في الاختلاط، ثم يمارسه؟! مع أن من لوازم الاختلاط _ كما يزعم_ عدم غض البصر؟! فالنجيمي ذهب للاختلاط مع سابق علمه بعدم إمكانية غض البصر، ويرى أن غض البصر كذلك (مجمع على وجوبه) ومجمع على تحريم النظر للمرأة _كذا_! بل هذه الآية تفيد وجود الاختلاط.. وإلا لماذا الأمر بتبعيض غض البصر بين الجنسين؟!.. كذلك من أدلته العجيبة رده على حديث (الخثعمية) وقال: لو كان النظر جائزاً ما لفت الرسول رأس الفضل عنها.. بينما الرسول لم يمنع من روى الحديث، من النظر إليها، وليس نظر الرسول ورواة الحديث، من قبيل (نظر الفجاءة) بل هو نظر المحاور لمحاوره. وبيّن الرسول أن سبب لفت نظر الفضل، الفتنة التي خشي أن يقع فيها الفضل نتيجة لتبادله النظرات مع هذه (الخثعمية)، فمن يعلم أن نظره يؤدي إلى فتنته، لا يصح له النظر، ولا يعد الحكم لغيره إلا بذات العلة. ولهذا لم يمنع الرسول الصحابة الذين نقلوا لنا القول بـ(وضاءة الخثعمية) بأن ينظروا إليها ويختلطوا بها رغم جمالها!
ثم رد على حديث أم حرام بنت ملحان، بأنها من (محارم النبي) وهذا الكلام غير صحيح.. فقد نفى الدمياطي، وابن حجر، وابن الملقن، والكرماني، والسيوطي وغيرهم القول (بالمحرمية).. وقد زعم ابن عبدالبر وجود هذه المحرمية، ولم يأت بدليل بل قال (أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) والظن لا يغني من الحق شيئا، ولا يجوز تخصيص عموم النص لظن بعض العلماء.. ولو كن من محارم النبي، ما قال النبي في سبب زيارته لهن: (ارحمها قتل أخوها معي).. ولم يقل لأنهن من محارمي، ولم تكن (المحرمية) هي سبب الزيارة، مع أنها أولى بالذكر فيما لو صحت، من القول برحمته لهن ليس إلا..!
وقد ذهب البعض إلى أن هذا من خصوصيات الرسول، والخصوصية لا تثبت بالاحتمال، ولا تكون إلا بدليل.. وبالتالي لا دليل على المحرمية، ولا دليل على الخصوصية..! أما أحمد الحمدان، فهو يعتبر أن الألباني (معصوم) وأن ما يصححه أو يحسنه، فلا يسع المسلم إلا قبوله، وكأنه (وحي معصوم). وهذا كلام عجيب لم يسبق لمثله.. أما حديث (استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق) فهو حديث ضعيف فشداد بن عمرو مجهول، وأبو اليمان مجهول، والدرادوري ضعيف، وكذلك خولف شداد بن أبي عمرو في رواية هذا الحديث، فقد رواه الحارث بن الحكم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ (ليس للنساء سراة الطريق) وهذا حديث ضعيف مرسل، كذلك الحارث بن الحكم تفرد بالرواية عن ابن أبي ذئب ولم يوثقه إلا ابن حبان كعادته في توثيق المجاهيل.. فالحديث بكل طرقه ضعيف.. كذلك هذا الحديث يتعارض مع ما يستدلون به في منع الاختلاط، في أن النبي كان يتأخر عن قيامه بعد الصلاة، حتى تنصرف النساء.. فما فائدة حشر النساء على الجدران بهذه الصورة! بل أول من لا يفعل هذا هم من يستدلون به، فهم حينما يخرجون مع أهلهم للأسواق، أو غيرها. لا يجعلون نساءهم يحتككن بالجدران!.. ولو كان المحرمون يمتلكون دليلا صحيحا لما احتاجوا لهذا الحديث.. والشيخ الحمدان الذي هو رئيس مكتب الدعوة والإرشاد في جدة، يعتبر الاختلاط محرما (قطعيا) وسؤالنا له: هل الحكومات الإسلامية والعلماء الأجلاء الذين أجاوزا الاختلاط، قد أجازوا ما هو (محرم قطعي)، وماذا تسمي من يجيز نظاما، ما تعتبره (محرما قطعيا)؟! والعجيب أن اللحيدان المتحدث باسم الوزارة التي ينتسب لها الحمدان، أجاز الاختلاط في بعض الأماكن. ولكن وجدت أن الوزارة تسمح للمساجد بوضع منشورات تعتبر الاختلاط (حرباً على الله ورسوله) وهذا الكلام في غاية الخطورة، وله دلالات على المستوى الأمني لا يمكن التغاضي عنها، انطلاقا من فهم قاصر للفقه، ونصوصه.. وتحميل الخلاف الفقهي صورة الخلاف العقدي، وتكفير الرأي الفقهي الآخر.. وأتمنى من وزارة الشؤون بيان موقفها من ذلك، لا سيما أن أحد منسوبيها يقول (بقطعية) تحريم الاختلاط، وبالتالي يكون مجيز الاختلاط في فقهه هو مستحل لما هو مجمع على تحريمه، وهذه كارثة!
كذلك قال المذيع للغامدي: من طلب منك الدفاع عن جامعة الملك؟! وكأن المواطن لا يجب أن يدافع عن بلده، ومحاولة إسقاط شرعيته، من بعض (قعد الخوارج) إلا بإذن؟! إن واجب كل مواطن أن ينهض للدفاع عن بلده، كل بقدرته، وعلمه. وأن يقطع الطريق على أولئك الذين يستغلون الخلاف الفقهي، لإسقاط شرعية البلد، من أجل أهداف محددة.. والجدير بالذكر أن المواطن السعودي أكثر تقدما من بعض الفقهاء، فكثير من القضايا حرمها الفقهاء، ومارسها المواطن، ثم بعد سنوات أجازها الفقهاء.. ولهذا نحن نشكر الفقيه الحر المدافع عن بلده، لا لأنه يطرح ما سيؤمن به الناس، لأن الناس تجاوزوا هذا الطرح، كما تجاوزوا كثيرا من الأطروحات المحافظة، والتي انتهت واندثرت مع الأيام. وإنما نشكر لهم شعورهم وغيرتهم ليس إلا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق