الأربعاء، 2 يونيو 2010

حوار مع صديق حول الليبرالية

هل هناك تعارض بين "الحرية" وبين الإسلام ؟

إذا كان الجواب : لا , أرتفع الإشكال بين "الليبرالية" و بين "الإسلام"

إذا كان الجواب : نعم , فماذا يقولون في الأدلة التي تواترت على اعتبار "الحرية" في الدين . ( ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) , ( لست عليهم بمسيطر ) , (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) , ( وما على الرسول إلا البلاغ ) ..

قد يقول قائل : الإسلام لا يتعارض مع "الحرية" , ولكن يتعارض مع "الحرية" المطلقة ..


نقول : هل تقصدون بالحرية "المطلقة " لــ "الفعل" أم للفكر ؟!

إذا قلتم للفعل ..

نقول : من قواعد "الحرية" بمفهومها (الليبرالي) أن لا تمس حرية الأخرين , وبالتالي لا يمكن "للحرية" أن تكون "مطلقة" وإلا تماست "الحريات" ..كما أن (الفعل) محكوم بسلطة "القانون" التي يدافع عنها كل "ليبرالي" ..فكيف يقال أن "الليبرالية" تعني ( حرية الفعل المطلق ) ?!..

أما "الحرية" المطلقة للفكر ..

فهذه من لوازم "الدين" نفسه , وإلا كان "الدين" نفاق و إكراه , بل القرآن حفظ "الحقوق" الفكرية (للمشركين) وعرضها في "القرآن" و فندها , ولم يكن وثوقياً , وإنما الوثوقية كانت بدليله : (وإنا وإياكم لعلي هدى أو في ضلال مبين ) .., لم يكن حاسماً في عرض "رأيه" وتفنيد "رأي" غيره , (قل إن كان للرحمن ولد فانا أول العابدين ) .

إذن , الليبرالية تعطيك "الحرية" الفكرية "المطلقة" و هذه "الحرية" لا تلزمك بنتيجة واحدة ..

فأنت قد تعطي "س" من الناس هذه "الحرية" وتؤدي به إلى "الفساد"

و قد تعطي "ص" من الناس هذه "الحرية" وتؤدي به إلى " الإصلاح"

إذن , ما هو "المتغير" الذي أدى إلى "تغير" النتيجة ؟ . أهي "الليبرالية" أم "كيفية" التعاطي معها ؟!

سؤال آخر : هل الرسول "معصوم" ؟!

سيكون الجواب : نعم ..

سؤال آخر : هل اجتهد الرسول في أمور "دنيوية" و اخطأ , واستدرك عليه "الوحي" هذ الخطأ .. كما في قضية "الأسرى" , والإذن للمتخلفين عن معركة تبوك , و قضية زيد , و عبس ؟!

إذا قلتم : نعم ..

قلنا هذا دليل على الأنفصال بين ما هو "ديني" يكون الرسول فيه معصوم , وبين ما هو "دنيوي" لا يكون فيه الرسول معصوم , ولو كان ما هو "دنيوي" محكوم بسلطة ما هو "ديني" لما أخطأ الرسول لأنه معصوم فيما يبلغه من أمر الدين ..

إذ قال قائل الرأي "الدنيوي" لابد أن يكون له "ضابط" ..

قلنا : هل هو "ضابط" ديني , أو أخلاقي ؟


إذا قلتم : ضابط "ديني" , فهذه مصادرة على المطلوب ..لأن موطن النزاع في ذلك ..

فإذا قلتم : بل لابد من ضابط "أخلاقي" ..


قلنا : هل الإسلام أتى سابقاً على "الأخلاق" , أم أن "الأخلاق" سابقة على الإسلام ومتواجدة في "الأديان" و "الثقافات" التي قبل الإسلام ..بل موجودة وجود "الإنسان " نفسه ؟!

إذا قلتم بالأولى , فقد كابرتم , وأنكرتم ما هو معلوم من رسالات الأنبياء قبل "الإسلام" , وحِكم "لقمان" على افتراض أنه "نبي" ..!

فإذا قلتم بالثانية وهو "الأصح" ..قلنا لا يلزم إذن أن يكون الإسلام هو الضابط للرأي في أمور الدنيا , لأن البعد "الأخلاقي" ليس حكراً على الإسلام , وهو أمر كل يدعيه ..

و الاحتجاج بقوله جل شانه : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) .. لا يتعارض مع هذا "المنطق" .ففصل ما هو "ديني" و ما هو "دنيوي" ..هو من طاعة الله , الذي بين ذلك حينما استدرك على نبيه في أمور "الدنيا" , وهو طاعة للنبي الذي قال : ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) ..


يقول البعض : يُلاحظ هنا تناقضٌ ليبرالي خطير؛ إذْ تزعم الليبرالية الديمقراطيةأنها تخضع لقول الأغلبية وتثق بها ، في حين أنها هنا ـ في المجتمع الإسلامي ـ ترفض تصورات وأحكام العقول الأكثر والأغلب !!

نقول : أن الليبرالية تخضع لحكم الأغلبية في المجتمعات "الحرة" التي تتنافس عليها المناهج "الفكرية" , بحيث يتاح لكل منهج "فكري" إن يصل إلى الناس , وبالتالي يملك الناس "الحرية" بقبوله أو رفضه .. ولكن أن يكون المجتمع محكوم برأي "فكري" واحد , وهذا "الرأي" يشوه باقي الآراء "الفكرية" , ثم نقول أن "المجتمع" يرفض "الليبرالية" فهذا كلام لا يصح ...مثل الحكام "العرب" الذين يحكمون شعوبهم بالحديد و النار , ويتسلطون على رقاب "الناس" .. ثم في الانتخابات ينجح "الزعيم" الفتدى بنسبة 99% ويقول : هذه "ديمقراطية" هذا حكم "الاغلبية" ..فلا يقول بهذا عاقل ..! ولكن أعطي الناس "الحرية" وانظر كيف تكون النتيجة ..!

قد يقول قائل : إذا كانت "الليبرالية" لا تتعارض مع "الإسلام" فلماذا لا تقول انك "إسلامي" فالليبرالية لفظ "بدعي" ؟!

نقول : حتى كلمة "إسلامي" بدعية ..والإسلام ينضوي تحت ظله "الليبرالي" , و "الجامي" و "الشيعي" , و "الخارجي" ..ينضوي تحت ظله من يحترم "حرية" الآخر ك (الليبرالي) , ومن يستحل دماء مخالفه (الخارجي) , ومن يوجب طاعة من سرق مالك وجلد ظهرك (الجامي) , ومن يرى التقية (الشيعي) .. ..وبالتالي لا يكون هناك "تخصيص" وتحديد لهويتك "الفكرية" حينما تقول أنك "إسلامي" ..!
البعض ينكر "الليبرالية" لأنها تشكلت في بيئة غير إسلامية .. وهذا لا يوجب "ردها" فكل مناهج البحث العلمي , والتقني , تشكلت في "الغرب" ..فالفكر منجز لكل "البشر" ..

ولكن مشكلة البعض أنه يجيز لنفسه أن يأخذ من الغرب "تقنيته" و يرفض "أفكاره" .. وأدى هذا إلى استمرار "تفوق" الغرب لأنه مازال محتفظ بأفكاره , وجعلنا سوق "مستهلك" لهذا "الغربي" ..ننمي جيبه , ونفقر عقولنا ..

أما كون "الليبرالية" تحفظ القيم الإسلامية فهذا صحيح ..فالمقاصد الشرعية التي تحققها الدول "الغربية" أسمى من تلك التي تحققها المجتمعات "الإسلامية" .. وبالتالي يتمظهر "الإسلام" بشكل أفضل في تلك البيئات ..وهذا ما قاله الإمام "محمد عبده" عن الغرب : ( وجدت الإسلام , ولم أجد المسلمين ) وقول ابن عقيل الذي نقله ابن القيم : ( إينما كان العدل فثم وجه الله ) ..أما "الإسلام" كدين , فهو محفوظ حتى في أشد البيئات "ديكتاتورية" , ولا يعني أنه "محفوظ" فيها ..أنها "الأفضل" ..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق